كان كتابي في هذا المعنى، وبعثته إليه مع رسوله. ثم مضت أيام وإذا بجموع الوهابية تصل إلى الخرما وتجتازها إلينا، وقد أغارت خيلهم على سرحنا وتقابل الخيلان وقدر الله فطردوا. وبعد ليال ثلاث جاءوا بمجموعهم يجرون الحجر والشوك، وهم عشائر مطير الدويش ومن معه، وعشائر حرب أهل نجد، وعشائر عتيبة وعلى رأسها سلطان بن بجاد الملقب بسلطان الدين، وعشائر الدواسر، وعشائر قحطان، وكافة سبيع أهل نجد والسهول، وسبيع أهل الوديان. يزاحمون الخمسة والعشرين ألفا. وكانت القوى التي معي - من حيث قوة النار - لا بأس بها، وأما العدد فكان الجند النظامي خمسمائة والجند من أهل الحجاز والأرهاط المكتوبة ثمانمائة وخمسين. فصبحونا بالخرما وكانت الملحمة حيث استشهد من الأشراف ثلاثة وخمسون في صفنا، ولم ينج من النظاميين إلا ثلاثة ضباط هم الأميرالآي صبري بك والقائد إبراهيم الراوي والقائد حامد الوادي؛ والذي سلم من القوة العربية الحجازية مائة وخمسون رجلا. أما هم فلم يبلغوا منا ما أرادوا إلا بعد أن حصدوا حصدا. وعلى ما قيل لي إن عدة من دخل العدة من نسائهم في الأرطاوية - قرية - هن سبعمائة وخمسون امرأة، هذه في قرية واحدة. وقد بلغني أن راية أهل الرين لم يرجع منها سوى ثلاثة أنفس. وكان قتلاهم فوق السبعة آلاف، والحول والقوة بالله. وكانت نجاتي منهم معجزة من المعجزات.
أما العقيدة الوهابية فهي عقيدة أعرابية محضة، بحيث وجد محمد بن عبد الوهاب صاحب المذهب أن الأعراب هم التربة الخصبة لهذا الزرع. وعند خروجه مر بكثير من المدن لينشر دعواه فلم يفلح، فذهب إلى نجد وهنالك وجد الضالة المفقودة، فرمى الناس بالشرك واتهم المسلمين بذلك. والشرك هو مذهب من يجعل مع الله آلهة أخرى، كمن يعبد الشمس والقمر والكواكب مع الله، مثال قوم إبراهيم - وإن الآيات في القرآن الكريم توضح ذلك - ومثل دين العرب قبل الإسلام إذ كانوا يعبدون الأصنام ويقولون إنها آلهة تشفع لهم، كاللات والعزى ومنات وما أشبه ذلك.
فمحمد بن عبد الوهاب رمى أهل الملة المحمدية بهذا السهم، وقال إنهم - أي المسلمين - يقولون: يا رسول الله، ويقولون: يا رفاعي، ويقولون: يا عبد القادر الجيلاني؛ وهذا دعاء غير الله. أما قوله عن المسلمين إنهم يقولون يا رسول الله فقد صدق في ذلك؛ فالمسلمون يقولون يا رسول الله وينعتونه بصفة الرسالة؛ ولا رسول إلا من مرسل ليبلغ عن المرسل ما أمر بتبليغه فهل رأى محمد بن عبد الوهاب أن الرسول
صلى الله عليه وسلم
أمرهم بغير التوحيد؟ من أين له ذلك وهو
صلى الله عليه وسلم
مبيد الشرك ومكسر الأصنام، والمسلمون معه؟ ألم ير ابن عبد الوهاب، أن في كتاب الله آية لا يمكن لمن يقرأها أن يظن بالمسلمين ما ظنه ابن عبد الوهاب وهو قوله تعالى:
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون *ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون
هذا قول الله وهو بين أيدينا، فكيف بعد هذا إذا قلنا يا رسول الله نشرك، والقرآن نهانا عن الشرك وأمرنا أن نقتل المشركين؟!
ومن المحزن انتقاصهم حق الرسالة وحطهم من قدر النبوة، وتشبيهه
Bilinmeyen sayfa