هذا أنت ترى رغبة الشعب الحجازي في التمسك بحقوقه القديمة وبالشروط التي بويع بها السلطان سليم الأول بالخلافة. فإن أحببت عدم اعتبار هذا، وكانت في يدك أوامر من الدولة بتطبيق قانون الولايات على هذه البلاد وسلخ امتيازاتها، فأرنا هذه الأوامر التي لم تأتني عنها من الباب العالي أي إشارة. وإذا كان المقصود إجراء تبديل في الإمارة، فهذا أنا سأبقى هنا إلى حين تأتي الباخرة التي سأسافر بها من جدة، لئلا يقع ما تسند تبعاته إلي.
وكانت دار الحكومة من غرفة الوالي إلى الشارع إلى دار الإمارة إلى قشلاق جرول وقلعة جياد وسائر الجواد، ملأى بالرجال يصيحون بسقوط تغيير امتيازات الحجاز، ويطالبون بعدم مد السكة الحديدية من المدينة الى مكة، ويهتفون بالأمير «دم دائما»، فتزلزل الرجل وارتبك، وأخذ يقول: ليس من هذا شيء. وكتب برقية مستعجلة بالحال الراهنة، وخرج الأمير بين الهتاف العالي «دم دائما»، وبقي وهيب وهو يعلم أنه قد خذل.
ثم في مساء ذلك اليوم، أخذ الدفتردار وكومندان الجندرمة الأميرالآي سعيد بك بالقوات التي كانت معهما، في طريقهما إلى جدة بالحديبية، فأسر بيد العشائر، وحصرت كل النقاط العسكرية بين جدة ومكة، وامتنع أهل الأودية من جلب الخضار والفواكه والسمن والأغنام إلى مكة. ولم تفرج الأزمة، إلا بورود البرقية الجوابية من الصدر الأعظم للأمير، بأنه لا إخلال بحقوق الإمارة وبامتيازات الحجاز، وأن الدولة في الوقت الحاضر لا تلح في مد الخط الحديدي. وتليت هذ البرقية في المسجد الحرام، وعادت المياه إلى مجاريها.
ثم تلقيت برقية ثانية بإمضاء الملك علي يقول فيها: سافر حالا إلى إسطنبول. فأجبت: لا باخرة قبل يوم السبت.
وورد البريد من الحجاز بتفصيل ما ذكرت الآن، فجاءني السير رولاند ستورز، وقد أرسله اللورد كيتشنر، وبيده كتاب بعنوان السفير البريطاني بإسطنبول، يقول فيه «متى احتاج الأمير عبد الله الباخرة الحربية المخصصة للسفير البريطاني فاجعلوها تحت أمره». وقال لي: يرجوك اللورد أن تقبل هذ الخدمة، وتدفع هذا الكتاب للمستر فيتس موريس كاتب السفارة، الذي سيقابلك في الباخرة بأزمير ليتناول هذا الأمر. وقال لي: لا بد لك من أن تعلم أنه إذا دافع سمو الشريف عن حقوقه بالحجاز، فالحكومة البريطانية، التي ليس لها أي حق في التدخل في شؤون داخلية لدولة صديقة، لا ترضى أبدا بدوام أي حركات تسببها تركيا ضد السلام الحاضر في بلاد الحج.
فعلمت أنه يريد أن اكتب بذلك إلى مكة، فقلت له: وكما حملتني هذا الكتاب، سأرجوك أن تبعث بكتابي هذا إلى القنصل البريطاني بجدة، كي يتوسط بإرساله إلى مكة عن يد مأمور العربان. وكتبت الكتاب وختمته بالشمع الأحمر، وهو لا يدري ما فيه، وسافرت وسافر معي رفقائي.
ولما وصلت الأستانة، رأيت ابن عمي الشريف ينتظر على الرصيف. أما الكتاب فقد أخذه فيتس موريس بأزمير.
مع الصدر الأعظم سعيد حليم باشا ووزير الداخلية طلعت باشا ووزير الحربية أنور
باشا
وكان مع الأمير جميل رجل اسمه طاهر أفندي، وكيل أشغال والدة الأمير زيد أخي، فقال: هيا بنا إلى الصدر الأعظم - وكان الوقت ليلا - فقلت له: ولماذا الآن؟ قال: هو يريد ذلك.
Bilinmeyen sayfa