الليل أصبح طويلا، والأوهام والخيالات تعشش كل ليلة حول سريري.
ذراع طويلة قوية تلتف حول خصري، ووجه رجل يقترب مني؛ له عينان تشبهان عيني أبي، وله شفتان تشبهان شفتي ابن عمي، ولكنه ليس أبي وليس ابن عمي.
ترى من يكون؟
أحاديث البنات في المدرسة تطفو على سطح ذاكرتي؛ التنهدات، الشهقات، أحلام المراهقات.
كأني لم أشرح جسد الرجل، كأني لم أعره، كأني لم أر قبحه وبشاعته.
هل نسيت؟ لا أدري، ولكني نسيت، وعاد إلى الجسد الحي سحره وغموضه. كيف نسيت؟! لعل أنوثتي خرجت من زنزانتها عنيفة جامحة طوحت في طريقها بكل ذكريات العقل، أو لعل حنين روحي الجارف نزع من مخيلتي صور الجسد القبيحة، أو لعل انتفاضة القلب القوية نفضت علوم الطب عن رأسي.
والصباح لم يعد يطلع، ودفء السرير أصبح لهيبا، وأوهام الليل لم يعد يبددها نور.
4
دق جرس التليفون بجوار رأسي، ففتحت نصف عيني ونظرت في الساعة، كانت الثانية صباحا. ورفعت السماعة في كسل، وجاءني صوت ملهوف يقول: أنقذي أمي من الموت يا دكتورة.
قفزت بسرعة من السرير الدافئ، وارتديت معطفي، وخطفت حقيبتي الصغيرة المعدة لحالات الإسعاف السريع، وركبت عربتي، وانطلقت إلى بيت المريضة.
Bilinmeyen sayfa