بينما أنا جالس اليوم على المائدة أتناول طعام الغداء إذا المسيو ج. ب. يسألني إن كنت قد علمت بمقتل رئيس الوزارة المصرية . رئيس الوزارة ؟ بطرس غالي! نعم هو، قتله شاب من المصريين الذين كانوا يتعلمون في جنيف واسمه إبراهيم ناصف الورداني ... من هذا الورداني؟ لا أعلم؟ ولماذا لم يجئ عن ذلك خبر بعد.
ترى ماذا ستعمل الحكومة إزاء هذه الحادثة؟ لا بد ستتخذ أشد الإجراءات وستظهر من رهبتها في مظهر المنتقم فتثير الأرض والسماء وتقلب البلد من أولها إلى آخرها غيظا وغضبا.
واستفسرت ربة البيت عن سبب الحادثة فلم يكن بأسرع من أن أخبرها المسيو ه.ج. إنما أثارها التعصب الديني؛ الوزير المقتول مسيحي والشاب القاتل مسلم، وإذن فليس هناك شبهه في أن الدافع للقتل هو دافع الدين، ذلك ما فسرها هو به وما فسرتها به أيضا بعض الجرائد، ولقد جاهدت كثيرا لأنزل هؤلاء الناس عن رأيهم حتى أظهروا لي أنهم مقتنعون بما أقول، وإني لأعجب جدا كيف يحسب المسيو ج. ب. وأمثاله من جماعة الذين نزلوا عن رأيهم أن لا صلة بين المسيحي والمسلم إلا صلة الدين مهما عاشا على أرض واحدة، إنهم لا شك يحسون في أعماق نفوسهم أن للدين عليهم سلطانا وأنهم ينساقون إليه في كثير من معاملتهم لغيرهم؛ لذلك هم يدعون على الغير في كل صغيرة وكبيرة دعوى التعصب.
28 فبراير
وردت الأخبار بتفصيل حادث مقتل بطرس باشا، ولم أكد أقرأ تقرير القاتل عن الأسباب التي حملته على ارتكاب جريمته، واعتباره رئيس الوزارة خائنا لوطنه حتى بادرت أبلغها لربة البيت وللمسيو ج. ب. وأعدت الكرة لأقنعهم أن في النفس الشرقية شيئا غير هذا الخيال الذي يتصوره الغربيون فظيعا مريعا آخذا بها مستوليا عليها خيال الدين الحاض على التعصب وسفك دم كل كافر كما يزعم الأفرنج، أسرعت فأخبرتهم بذلك فكان جواب المسيو ج. ب: ممكن جدا أن يكون هذا صحيحا ما دام هذا الشاب قد تعلم في أوربا ...
فقط لأن هذا الشاب تعلم في أوربا لا تكون جريمته مبنية على أساس من التعصب الديني الشنيع! والآلاف والملايين الأخرى التي تسكن الشرق ولم يساعدها حظها أن تتعلم في أوربا كلها مسوقة بهذا الدافع في معاملاتها مع الغربي! ... ذلك ما يعتقده ويقنع به عدد كبير من الأوربيين، وقد يكون في اعتقادهم شيء من الصحة؛ فإن الشرقي المسلم أو غير المسيحي الذي يرى هذا الأجنبي عنه في الوطن واللغة والعقيدة آتيا يستعبده ويبتز منه ماله ونفسه يرجع دائما لتكبير كل الفروق التي بينه وبين ظالمه، والدين أحد هذه الفروق ولا يستهان به؟ ولكن ليس معنى ذلك أن الإحساس الديني هو كل شيء في النفس الشرقية، بل معناه أنه سبب من أسباب الثورة ضد استعباد الغرب للشرق وصيحة داخلية في كل نفس حية ضد هذا الظلم الصارخ الذي ترمي به أوربا الشرقيين.
ماذا سيكون نتيجة قتل بطرس؟ وردتني كلمات في هذا المعنى مختلفة في لهجتها ومعناها، وعندي أنه رجل مات سيخلفه رجل! ما كان خيرا منه أو شرا منه، ودرجات الخير والشر لا نهاية لها.
6 مارس
كنا في عزومة كبيرة هذه الليلة، وكان على المائدة اثنا عشر شخصا: ستة من السيدات، منهن ثلاث فتيات وسيدة في الخامسة والثلاثين ونصف وعجوز، وكان معي من سني شخص آخر، والباقون بين الثلاثين والأربعين إلا واحدا فوق هذا السن، وكان قائدا في الجيوش الفرنساوية، وهو زوج السيدة النصف وأبو إحدى الفتيات، وزوجة تمتاز خلقتها بالوقار ولها نظرة ثابتة، أما ابنتهما فهي أجمل الموجودات وأعذبهن حديثا ونظرة، ولقد يأخذ الإنسان العجب كيف ينبت هذا الجندي الجاف مثل تلك الزهرة اليانعة.
ولقد أخذت هذه الفتاة مكانها بيني وبين صديقي الشاب، وجلست عن يميني السيدة النصف وأحاطت هي وإحدى الفتيات بالمسيو ج. ب. أما الجنرال فقد جلس بين ربة البيت العجوز وبين بنت الخمس والثلاثين.
Bilinmeyen sayfa