فإنما خوطب بها الزوج دون الزوجة لما لحقها من التخصيص بمسألة العدة التي تلزم المرأة وحدها، وليس من المعقول طبعا أن يقول للنساء: (وطلقوا الرجال لعدتهم) إذ لا عدة على الرجل، كذلك قوله تعالى:
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء
جاء في وقائع مخصوصة وجه فيها الكلام للرجال وحدهم.
والشريعة الغراء في عدالتها لم تكن لتفرق في الحق بين الرجل والمرأة لتعطي واحدا كل شيء والآخر لا شيء، والله تعالى يقول:
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف
وإنما المرأة بطبعها لا تحب ترك زوجها متى كان لها منه أبناء، كما أن سلطانه عليها الكبير كان يجعلها تخضع لأمره من غير مناقشة ولا حساب، فظن بعضهم أن ذلك لأنها محرومة من كل حق، ولو كان هذا صحيحا لما كان معنى ل«لهن مثل الذي عليهن» وحاش الله تعالى وكبر كلامه عن أن يكون خلوا من المعنى.
بمثل هذه التفاسير يفتح الشراح علينا بابا من القول يرمينا منه مخالفونا بكل نقيصة، والله الذي لم يفرط في الكتاب من شيء أكمل لنا الدين، ولو اهتدينا بهديه وسرنا على معقول معناه لكنا اليوم في مقدمة الأمم رقيا وحضارة، أرأيت لو لم يفتح المشرعون هذا الباب بأن يجعلوا الطلاق في يد الرجل وحده، ثم أن يقع منه متى نطق بكلمته هل كان الطاعنون إلا وراءنا بكثير، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله قد دخلت على الدين أشياء هو منها براء، وأضيفت إليه شروح ومطولات تحوي كثيرا يتمسك به غير المسلمين ويسموننا مرة متأخرين وأخرى رجعيين، ولو فهمنا روح ديننا الحق وأفهمناها لهم لسكتوا أمام كمالها مبهوتين.
عن الدين الحنيف أخذت الأمم الطلاق، ولو بحثت فيما تعمله اليوم من القوانين لوجدته يسير تماما مع تلك الروح العالية، ولكنا لا نريد أن نتعب أنفسنا بالبحث عما عندنا من الجواهر المكنونة في كتاب الله الكريم.
ولو أن الناس من المسلمين لم يقفوا وقفتهم التي وقفوا، بل جعلوا وجهتهم التقدم وترقية المبادئ التي عندهم؛ لما وجدوا من شرعهم إلا مساعدا لهم على عملهم، الذنب - يعلم الله - على المسلمين لا على الإسلام، في كل هذه الوقفة الطويلة من غير سبب.
إن الحنيفية الغراء شريعتنا شريعة سير إلى الأمام، هي الشريعة التي تساعد الكون على التقدم والارتقاء وتوافق العقل على أن يكون حرا في تفكيره، فلم نحرم نفسنا هذه المزايا العظيمة التي تهبها إيانا.
Bilinmeyen sayfa