122

Gençlik Hatıraları

مذكرات الشباب

Türler

27 يوليو

فلورنسا، الجميلة كما يسميها الطليان، هي حقيقة جميلة تحيط الإنسان فيها الآثار القديمة من ناحية وأجمل ما خلد الفن من الأخرى، ولكن الإيطاليين هم دائما الإيطاليون، بل يظهر أنه كلما أوغل الإنسان جنوبا كانوا أقل مدنية، ولقد رأيت هنا مشاحنات أكثر مما رأيت في تورينو؛ إذ قابلني في يومين خمس أوست، ولم أكن أخرج إلا نادرا ... أو أن ذلك إنما كان نتيجة الصدقة! ...

ومما يأخذ بالعين حقيقة الكاتدرال والكمبانيلي والباتستير وكلها مجتمعة في ميدان القبر (الكاتدرال) مظهرة بذلك نظاما فنيا معماريا بديعا، وقد اتخذت جميعا من الرخام، ويبين عليها توازن دقيق غير أن الكاتدرال فقيرة من الداخل ومظلمة، لا ككتدرال بيزا التي زرت هذا الصباح، والتي هي ذات مظهر أغنى بما فيها من التماثيل وما على جدرانها من النقوش وما في سقفها من الذهب.

أما كمبانيل بيزا فهو إحدى عجائب الدنيا، البرج المائل المشهور، وهو أقل جمالا من كمبانيل فلورنس المربع البديع النقش.

وما أكثر المتاحف في إيطاليا! فقد زرت أربعا منها في فلورنسا مع أني لم أبق بها غير يومين، وإن متاحف الأوفيزي والبني لبدائع يقصر دونها الوصف، قد حوت من نقوش أساتذة التصوير أبدعها، فيها من رفائيل وروبنس ودشي وبوتيشلي وريني ولبرن وكثير غيرهم من الكبراء، من ميشيل أنجلو وتسيانو البديع، كم من الدقة في عذارى رفائيل، وفي الصورة التي يخلد بها معشوقته، وكم من القوة في باباواته ... ثم كم هن مكسالات عريانات تسيانو، وكم هي ناطقة صورة سوزانا لريني وصور دلشي ... ورزايا الحرب لروبنس، كم هي متكلمة شاكية، فيها يحس الإنسان كأنما يسمع صرخة اليتم تشق قلوب النساء والأطفال ممثلي الإنسانية اللطيفة الهادئة المسالمة صرخة بأس وجزع ...

وحدائق فلورنس، تلك الحدائق الهائلة العظيمة ما أبدعها!

ولقد زرت بعد الظهر فيزولي وهي الضاحية التي أحب أناتل فرانس من كل قلبه ... ومن شرفاتها تتجلى فلورنسا تحت النظر وبين الضاحية والمدينة غرقت منازل صغيرة في خضرة السفح اليانعة.

لكن ضيقها والمرسى الروماني البالي الفقير وكنيستها العريانة التي تذكر بماض ضئيل، شحاذوها الكثر ومظهرها البائس أو يكاد، كل ذلك يحمل العين بعيدا عنها إلى هذه الشرفة البديعة حيث تتجلى جنة الأرض، دونها روما المهيبة العظيمة سيدة الزمن الماضي وروما الكبيرة بنت الزمن الحاضر، بين بعض ربوعها يحس الإنسان كأنه انتقل إلى بلد عظيم ميت يبعث النفس المهابة والوقار؛ فإذا انتقل فاختلط بالناس وجد دائما من هؤلاء الطليان بعض القذرين، بل إنه ليجد بين الآثار القديمة الوقت بعد الوقت شيخ بائس من الشحاذين تنم هيئته التعسة عن أنه انتقل هو الآخر إلى ملكوت الموت، ولقد كنت عند (الكولوسيوم) أزوره وأزور الآثار إلى جانبه فصادفت عيني مرارا أشباحا في أطمار تخرجها الأحجار المؤلفة ملقاة على الأرض وهي أنشف من الموميات العتيقة، وبين الآثار والأحجار والأشباح تسمع صرير الحشرات الساكنة في شجيرات سوداء، وامتد على الأرض عامود ينسب إلى (ديوكليسيان) وهو مكسور ثلاث قطع في حين قامت عمد كثيرة أخرى تدل على مكان (الفورو رومانو)، ودعيت بعد ذلك لأزور أماكن أخرى، ولكن الحر أرهقني فلم أذهب، وقابلت بالصدفة عند ميدان إسبانيا عربيا عرفني وطلب إلي أن يكون دليلي، وألجأتني الحاجة أن أقبله، ولو رأى لومبروزو هذا الشكل لما تعب في أي وصف يضعه، ولقد ساعدني كثيرا في تعريفي الطرق ومخازن البيع والشراء، أخذتني به الرحمة ومسني الإحساس ببؤسه.

تظهر روما بالليل في شكل القدم، خصوصا في الأماكن الكثيرة الميادين الملأى بالعمد، القائم عليها تماثيل تراجان وقيصر وغيرهم ممن يستثيرون معهم ماضي عظمة الدولة، أما الميادين الجديدة فهي قليلة الطعم، ربما أحسست أنا بذلك لأنا نحمل للماضي احتراما يحتل أعماق نفوسنا، أو لأن هذه الصبغة التي يعطيها للأشياء هذه الصبغة الترابية القديمة تجعلنا ننحني أمامه.

من روما إلى برنديزي ... ما أقذر هؤلاء! هؤلاء الخنازير لا أنسى أني في الأربع المرات التي ركبت فيها سكة الحديد كانت مراتب الدواوين مقلوبة على وجهها، وأقل احتكاك بها يثير ترابا عجاجا، وتلك هي عربات الدرجة الأولى ...

Bilinmeyen sayfa