فأرد عليه قائلا: وماله يا بيه شخشخ لها بالدهب تنزل برجليها.
فيقهقه ضاحكا، وأسير به إلى منزله، فيدفع الأجرة بسعة ورخاء، إلى أن تدهورت الأحوال، وبانت لبتها، فوصلنا إلى «يبقى لك» «ولك كام» وهات ريال يبقى لك ثلاثة جنيه، و«فوت علي بكرة». ولا أطول عليك فقد أخذت الجاكتة المجني عليها بدلا من مائة وعشرون قرشا، سعيت لها كسعي الحجاج بين الصفا والمروة، وأخيرا قبلت أخذها بعد المعاينة، ولم يكن يصعب علي إلا ذكر مجدها وعزها الماضي، فبعد أن كانت تجلس في صدر العربة آمرة ناهية، أصبحت علي مأمورة مهانة ذليلة.
وكانت من ضمن الأوراق التي ضاعت سطور كتبتها بمناسبة انتشار «الكوكو» بين شبابنا وشيوخنا وسيداتنا، حقائق رأيتها بعيني رأسي، كنت شاهدها الوحيد، كل هذا والمحافظة نايمة لا تشمر عن ذراعها المنمق بالشرائط الحمراء والنجوم الصفراء، تنتقم لنا من هؤلاء الذين يهددون الجيوب في كل وقت، يبيع لك المحفظة نهارا ويلطشها بما فيها ليلا.
تضع المحافظة صورهم بجانب قسم الموسكي، فتشرط الجيوب وسط الزحام، ويظن الناظر أنه يستفيد بحفظ ملامح الصورة مع أنهم أبرع من أي ممثل في تغيير الخلقة.
تراه بجانبك في قطار الترام صباحا «ابن بلد» مقلفط باللاسة الحرير، والجلابية السكروتة، والبلغة الفاسي، حتى إذا أتم مهمته، وسلت المحفظة بخفة البرق، تراه بعد الظهر أفندي لطيف ظريف، يناقشك في أي موضوع ليتحكك بك، ويقضي عليك بطريقته الأمريكية، ويمضي خير في سلامة، وسلامة في خير.
بالاختصار يهاجم هذا الجيش العرموم كل جيوب قطر الترام والسكك الحديدية، والمحلات التجارية وميادين القاهرة، ثم ينتزع من الجيب أعز ما فيه أمام أعين البوليس المفتوحة، وبإذن البوليس السري، ولا حنا هنا!
لا مؤاخذة، إذا أطلت الكلام في هذا الموضوع فالمخوزق يشتم ...
نعود إلى ما كتبته عن الكوكايين، عن البارود الأبيض الذي يهاجم أدمغة الشباب في هذا البلد المحتاج إلى أبنائه ، فيودي بهم ويقذفهم إلى دار المجانين حيث الفناء الأبدي.
سأحدثكم يا قراء حديث حنفي أبو محمود منذ كان الجرام بتلاتة تعريفة إلى أن أصبح اليوم بخمسين قرشا، لقد اغتنم أولئك الذئاب غفلة الحكومة؛ فاعتدوا على أبناء هذا القطر، وتوصلوا إلى سلبه أعز ما يمتلك، وهي قوته المفكرة بهذا المكيف الغريب.
لم يعتدوا فحسب، وإنما فرشوا طريقهم فضة ونصارا، وأصبح الواحد منهم بعد أن كان يقيس شوارع القاهرة مترا فمترا برجليه «ينجعص» في سيارته متناسيا ماضيه القريب الأسود، غير ذاكر أنه لص سارق.
Bilinmeyen sayfa