والحلول التي عرضناها من جهة التمويل هي إما إنشاء بنك تعاوني مستقل أو تحويل بنك التسليف الزراعي إلى بنك تعاوني.
أما الإشراف على الجمعيات فقد رأينا أنه أساس ضروري لنهضتها وانتظام أعمالها وإرشاد أعضائها إلى حسن إدارتها، وهذا الإشراف تتولاه مصلحة التعاون، ولكن ليس لديها الموظفون الكافون للقيام بهذه المهمة؛ فإن عدد الجمعيات التعاونية كان يبلغ سنة 1939 نحو 800 جمعية، ورأينا أنه يلزمنا أن نصل بها إلى أربعة آلاف جمعية،
4
ولم يكن يتسنى لمصلحة التعاون بنطاقها وقتئذ أن تقوم بمهمة الإرشاد والإشراف بالنسبة لهذا العدد الكبير. وأوضحنا في التقرير أنه من الضروري إنشاء تفتيش للتعاون في كل مديرية قوامه مفتش ومراجع لحسابات الجمعيات أو مراجعان بحسب اتساع المديرية، ومنظم لكل ثلاثين جمعية. ونظرا لصعوبة زيادة عدد الموظفين اقترحنا نقل العدد الكافي من حملة دبلوم التجارة العليا بمختلف الوزارات إلى مصلحة التعاون ليقوموا بمهمة مراجعي حسابات الجمعيات، وأن ينقل إليها بالتدريج العدد الكافي من مهندسي الزراعة ومعاونيها من حملة دبلوم الزراعة العليا من موظفي التفاتيش الزراعية للعمل كمنظمين للجمعيات، على أن يتولى هؤلاء المنظمون مهمة الإرشاد الزراعي ونشر التعاليم الحديثة لوزارة الزراعة والإشراف على عملية مقاومة دودة القطن في مناطق الجمعيات.
قدمنا تقرير اللجنة بهذه المقترحات إلى الوزارة في أكتوبر سنة 1939، وقد نوهت إلى هذا التقرير ومقترحاته في كلمتي بمجلس الشيوخ بجلسة 11 ديسمبر سنة 1939 وأهبت بالحكومة أن تعمل بمحتوياته، وأظن أن هذا التقرير صار مع الزمن موضع التنفيذ تدريجا، مما كان له أثره في اطراد النهضة التعاونية.
وبجلسة 20 مايو سنة 1941 بمجلس الشيوخ لمناسبة المناقشة في ميزانية الدولة تحدثت عن نصيب التعاون في الميزانية المعروضة على المجلس والميزانية السابقة، وأخذت على وزارة الشئون الاجتماعية عدم عنايتها بالتعاون خلال عامين تقريبا منذ إنشائها، وقلت إن كل ما عملته أنها ألفت في سبتمبر سنة 1939 تلك اللجنة التي كنت عضوا فيها وطلبت تنفيذ مقترحاتها.
وقد قابل المجلس هذه الملاحظات بتصفيق الاستحسان واغتبط لها التعاونيون، وإني أستسمح القارئ أن أورد هنا ما قاله الدكتور إبراهيم رشاد بك مدير مصلحة التعاون وقتئذ في «مجلة التعاون» التي كانت تصدرها المصلحة - عدد يوليو سنة 1941 - تحت عنوان: «الحركة التعاونية في مجلس الشيوخ»، قال: «إذا ذكرنا عمر لطفي بك بأنه «رائد التعاون» في مصر الذي كان أول من دعا إليه وأسس جمعياته، والسلطان حسين كامل بأنه «أبو التشريع التعاوني» في مصر؛ إذ قدم باسم الجمعية الزراعية في سنة 1913 أول مشروع قانون للتعاون، وفتح الله بركات باشا بأنه «الوزير التعاوني» الذي بعث الحركة التعاونية من مرقدها وأمدها بالقوة والنشاط، إذا ذكرنا هؤلاء الأعلام التعاونيين في تاريخ حركتنا المباركة، فإننا لا ننسى صديقنا الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك وهو أول من وضع التعاون في مصر وضعا عمليا وأطلع الأمة على دقائق هذا المذهب الاقتصادي الاجتماعي الحديث. على أنه وهو تلميذ عمر لطفي لم يقف جهده في خدمة التعاون عند تأليف أول كتاب عربي فيه،
5
بل ساير الحركة التعاونية في مصر منذ سنة 1908 حتى اليوم، وشاركها نعيمها وبأساءها، ولا يزال يرفع صوته عاليا في الدفاع عن حقوقها ومصالحها، وأقرب ما كان ذلك في جلسة مجلس الشيوخ مساء يوم 20 مايو سنة 1941؛ إذ تكلم في التعاون كلام خبير به عليم بحالته، مطلع على مزاياه وفوائده، واقف على العقبات التي تعترض سبيل تقدمه وانتشاره في هذه البلاد.
هكذا ظل هذا الوطني الكبير والمحامي الشهير والشيخ المحترم، زهاء ثلاثة وثلاثين عاما وهو ملازم للحركة التعاونية المصرية، متصل بها أوثق اتصال، مجاهد في سبيلها جهاد الأبطال، أفلا يدل ذلك على إيمان ثابت بالتعاون ونفعه لمصر بل ضرورته لها؟ لقد ظهرت في خلال تلك الحقبة من الزمن نظريات اجتماعية شتى في نواحي العالم، وجربت مشروعات ووسائل لا عداد لها لإصلاح أحوال الطبقات، واطلع الأستاذ الرافعي على ذلك كله وهو العالم المؤرخ ولكنه مع هذا لا يزال على إيمانه بفضل التعاون على كل نظام إصلاحي آخر.
Bilinmeyen sayfa