أخيرا أشفقت عليه، ولم أر أن أعامله بأفعاله، فأحللته من العقد، وتناولت العربون والغرامة التي اعتبرتها حصة من بضاعتنا ردت إلينا.
ولعل القارئ العزيز لم ينس بعد حكاية الملابس والمناظر التي استولى عليها الحاج مصطفى، بحجة سداد ديون ما أنزل الله بها من سلطان. وفي هذا الحين وقع ما كان يخشى من سوء التفاهم الذي استحكمت حلقاته بين بديعة وبيني فافترقنا.
وبحثت عن مسرح آخر غير مسرح برنتانيا. فلما أعياني ذلك فكرت في إنشاء مسرح خاص.
كانت تقع في ملتقى شارعي عماد الدين وقنطرة الدكة قهوة اسمها «راديوم». وكان إلى جانبها صالة تحمل الاسم نفسه، وكانت ملاصقة لتياترو «رمسيس»، فاستوليت على هذه الصالة وأنشأت في مكانها «مسرح الريحاني». وبينما أنا أفكر في تأليف فرقتي، هبط علي الزميل القديم علي يوسف، وأفهمني أن ممثلي فرقة الأستاذ يوسف وهبي متذمرون، وأنهم جميعا راغبون عن العمل معه، ولذا اعتزموا الاستقلال دونه بفرقة شرعوا في تأليفها بعيدا عنه. ثم اقترح أن أضم شملهم لأظهر في الدرام بدل الكوميدي.
وأخيرا - وبعد تردد وتفكير - اقتنعت باقتراح السيد علي يوسف وشرعت في التنفيذ، ولاسيما أنني بعد الخلاف مع بديعة هبط اعتمادي على نفسي، وشعرت أنني في حاجة إلى عون قوي أستند إليه في ملاقاة الجمهور. وكانت بديعة في هذا الحين قد استأجرت صالتها المعروفة في عماد الدين.
فرقة دراماتيكية
ألفت فرقتي الجديدة من السيدات: روز اليوسف، وعزيزة أمير، وزينب صدقي، وسرينا إبراهيم، وماري منصور، وغيرهن، والأساتذة: حسين رياض، ومنسي فهمي، وحسن فايق، وأحمد علام، ومصطفى سامي، وجبران نعوم، ومحمود التوني، وغيرهم. وقبل أن أدخل في شرح ما انتابني في هذا المشروع من نكبات ومصائب أقول إنني بدأت في بناء التياترو في أغسطس من عام 1926، وفي الوقت نفسه ألفت الفرقة ولم نبدأ التمثيل إلا في شهر نوفمبر، أي بعد ثلاثة أشهر، كنت أدفع فيها أجور الممثلين، وغير ذلك من مصاريف البناء والتأثيث، وأثمان المناظر والستائر والملابس وما إلى ذلك مما أوقعني في ضائقة مالية.
وأوجدت إلى جانب الفرقة قلما خاصا لانتقاء طائفة من أهم الروايات العالمية، ونقلها إلى اللغة العربية. وقد أدى قلم الترجمة هذا واجبه، وترجم حوالي الاثنتي عشرة قصة من روائع الأدب الفرنسي والإنجليزي والألماني والروسي. كما أن الأستاذ جورج مطران شقيق شاعر الأقطار العربية خليل مطران، قدم إلي ترجمة للرواية الخالدة (النسر الصغير)، تحملت في مدى الأشهر الثلاثة التي أجرينا فيها البروفات الكثير من دلع السادة الممثلين والممثلات، وأرهقتني طلباتهم التي لا مبرر لها، ورأيت من فعالهم وتعنتهم ومرمطتهم لي الشيء الكثير. ومع ذلك سايرتهم، ولم أتردد في إرضائهم، ورجلي على رقبتي !!
يا خسارة
ولم أكن أدري ما بيتوا لي من غدر وسوء. إذ أنه حين اقترب يوم البدء في العمل، وبعد أن أعددنا ست روايات للظهور، تسلل الممثلون واحد إثر الآخر من الفرقة، وعادوا إلى فرقة رمسيس دون إنذار سابق، ودون أن يتركوا لي مهلة البحث عن غيرهم. في حين أنني كنت قد أسندت إليهم أهم الأدوار في الروايات الست التي أعدت للعرض على الجمهور وبذلك راحت البروفات «هدر» ويا خسارة يا مال الناس!!
Bilinmeyen sayfa