تأويل مدهش
أي والله مدهش! ذلك التفسير لنصوص العقد، الذي أجبرتني الحالة على توقيعه مع الحاج مصطفى حفني مدير تياترو برنتانيا. كان بين الشروط التي أملاها «الحاج» أن تحيي الفرقة أربع حفلات نهارية (ماتنيه) في كل أسبوع، وإذا «امتنعت عن إحياء إحدى هذه الحفلات كان عليها أن تدفع غرامة مقدارها ثمانية جنيهات.
هذا هو الشرط. وقد كان يحدث في شهور القيظ أن يفتح شباك التذاكر لحفلات الماتينيه، ولكن العامل «لا يصطبح» بابن حلال يوحد الله. لأن الناس كانوا يفضلون سهر الليالي على حجز أنفسهم عصر كل يوم في ذلك العرق المحرق. فإذا جاء أوان رفع الستار وجدنا التياترو خاويا على عروشه، ومقاعده أفرغ من فؤاد أم موسى. ولذلك كنا نتفق مع الحاج مصطفى على إلغاء الحفلة.
وفي أواخر يوليه من عام 1924 انتهت مدة التعاقد.
وفيما أنا مستعد لنقل الحال والمحتال - أي ما أملك في المسرح من ملابس ومناظر وأدوات وستائر - وقف الحاج مصطفى يحول بيني وبين نقل أي «قشايه» ... إيه يا سيدنا؟ - لأنك مدين لي بمبلغ سبعمائة وعشرين جنيها؟ - يا خبر زي بعضه ... وبتوع إيه دول يا حاج؟ - بقى يعني مش عارف حضرتك؟ بتوع الماتينات اللي بسلامتك رفضت تشتغلها! - لكن دا مش بسلامتي بس اللي رفض، دا بسلامتك أنت كمان لأن مافيش حد جه، ولأنك كنت حاتخسر ثمن النور وأجرة العمال! - لا. مافيش كلام من ده!!
وطبعا انتهت المناقشة وانفض المشكل على أن (ما فيش كلام من ده). وضاعت ملابسي ومناظري وستائري الغالية في شربة ماء. والظريف أن الحاج مصطفى بعد الرجاء الحار، والوسائط الكثيرة، قبل أن يكتفي بهذه الأشياء ... ويتنازل - وخد بالك من يتنازل - عن بقية ما في ذمتي من أموال نظير الامتناع عن «إحياء» الحفلات الميتة إياها!!
بعد هذه الفصول السخنة، وبلاش الكلمة الثانية، يئست من هذه الحياة، التي أنكر الناس فيها الوفاء وباعوا الأصدقاء، فاعتزمت أن أرحل بعيدا عن أناس اشتريتهم، فباعوني، وأخلصت لهم فأنكروني. ثم فكرت أن أجد في الزواج تعزية أو شبه تعزية، فكان قراني ببديعة مصابني، وامتلأ رأسي بفكرة النزوح عن الوطن، والبحث ولو عن فائدة واحدة من الفوائد الخمس، التي يقولون إنها مقرونة بالسفر.
كشكش الأصلي
وفي أحد الأيام نصحت لي بديعة أن نتسلى بشم الهواء في مصيف روض الفرج فرافقتها، وما كدنا نصل حتى طرق أذني صراخ شخص يوزع رقاع إعلان وهو يقول بصوته المنكر: «الحق هنا يا جدع، تعالى شوف كشكش الأصلي يا جدع، هنا ملك الكوموكودو - أي والله هكذا قال - الحق قبل ما يلعب».
وتراءى لبديعة أن تقف هنيهة لتناقش ذلك «الإعلانجي» في صيغة ندائه، ولم يكن بالطبع يعرف شخصيتها، فجرى بينهما الحوار التالي:
Bilinmeyen sayfa