وفي ظهر يوم الافتتاح كنا نجري البروفة النهائية، وقد أحسست حينذاك أن روايتي هذه تعتبر مثلا أعلى في السخافة، وأنني لو كنت بين الجمهور أثناء تمثيلها لما وسعني إلا أن ألعن خاش المؤلف، والمؤلف، بالطبع، هو أنا والمخرج برضه أنا، والملحن ... أنا أيضا! فقلت: آه يا وقعتي يا أنا، وقبضت على قلبي بيدي من هذه اللحظة إلى مساء اليوم المذكور، حيث قصدت إلى المسرح أسير هائما وساقاي لا تستطيعان حملي.
وجلست أمام المرآة أصنع لنفسي «مكياجا»، وأضع للمرة الأولى «ذقن كشكش بك». وانتهيت من مهمتي ونظرت إلى شكلي في المرآة، ولا أنكر عليك يا سيدي القارئ أنني شاهدت وجها «فنيا» يطابق الشخصية التي رسمتها في مخيلتي ... شخصية العمدة الريفي الساذج الذي أشاب الزمان قرنيه، وما تزال أشعة السحر تبدو في عينيه.
وتوكلنا على الله ورفعنا الستار، واقتحمت المسرح بجبتي وقفطاني، ويا قاتل يا مقتول!! كنت مضطربا بالطبع، وكان يلوح في خيالي سوء المصير إذا ما قدر لنا السقوط والفشل. إذ أين أذهب؟ ومن أين لي الأربعون قرشا التي أتقاضاها عن كل ليلة، والتي تدفع عني هموم الزمان وغوائل الحدثان؟
في الزوغان السلامة
وانتهى التمثيل، وما أدري والله العظيم على أي حال انتهى؟ وهل نجحت الرواية أم سقطت؟ وهل نالت القبول من مديرنا العزيز الخواجة روزاتي، أما سببت له امتعاضا فوق ما كان يشعر به من «اشمئناط»؟!
القصد. رأيت أن أرجئ الاستفسار عن ذلك كله إلى اليوم التالي، فلبست معطفي ورفعت «ياقته» أخفي بها أطراف وجهي عن الأعين، وتسللت على مهل متخذا طريقي إلى الخارج دون المرور على الخزينة ... على غير العادة طبعا، لقبض الأربعين صاغا اليومية.
وفي اللحظة التي كدت أسلم فيها ساقي للريح عند الباب الخارجي، لمحتني وكيلة الملهى - وكانت صديقة للخواجة - فصرخت تناديني، وكبل الوهم قدمي فوقفت في مكاني دون حراك، وقلت: آخ ... جالك الموت يا تارك ... التياترو!!
وجاءت إلي الفتاة تهنئني بحرارة، وتحدثني أعذب حديث، وهي تبتسم ابتسامة الحبور والانشراح!! ولكنني مع ذلك كنت أشك في الأمر، وأخشى أن تكون المسألة «تأليس في تأليس»، وأن هذه التهنئة التي غمرتني بها ربما كانت تخفي وراءها «التهزيء التام والطرد الزؤام»!
إلا أنها جذبتني من يدي، فمشيت خلفها متثاقلا إلى أن وجدتني وجها لوجه أمام الخواجة «روزاتي»، الذي استقبلني متهللا هاشا باشا وصافحني قائلا: «أنا ما كنتش أظن أبدا أنك ممثل عظيم بالشكل ده!! أنت هايل قوي، مبروك مبروك!!».
فقلت له: «العفو ... يا خواجتنا بس إيدك على جيبك بقى واتحفني، بالريالين الفينو!! الله يطمنك».
Bilinmeyen sayfa