وفي هذه الآونة تسلمت - وأنا بباريس - خطابا من الحاج حفني مدير تياترو برنتانيا يعرض علي العودة إلى مصر لتوقيع عقد اتفاق معه على العمل في مسرحه. ففكرت في ذلك الفن الجميل الذي أحببته من كل قلبي، وتملكت هوايته نفسي، واحتل حبه فؤادي حتى صار كالحسناء التي أخلصت لي وأخلصت لها. فهل أستطيع هجر هذه المعبودة؟ كلا ... وألف مرة كلا!!
وعدت إلى مصر ... واتفقت مع الحاج مصطفى، على أن يتكفل هو بالفرقة مما جميعه، بما في ذلك الممثلات والممثلون، على أن أتقاضى أنا حصة معلومة. وهنا بدأت في تنظيم حياتي ووهبت نفسي مرة أخرى للفن الذي عشقته بعد أن رفعت عن كاهلي عبء التفكير فيما عداه.
وأعددت مع الزميل العزيز بديع رواية «الدنيا لما تضحك» وما كدت أظهر على المسرح في الليلة الأولى من التمثيل، حتى قابلني الجمهور المحبوب بعاصفة من التصفيق عقدت لساني، فطفر الدمع من عيني لحظات غمرني فيها شعور لا أستطيع وصفه.
فيلم ثان
وفي هذا الوقت تقدم إلي بعض الممولين السينمائيين، وطلبوا الاتفاق معي على إخراج فيلم «بسلامته عاوز يتجوز»، وعرضوا أن أتقاضى منهم ثمانمائة جنيه مصري وخمسة في المائة من الإيراد وشاورت عقلي، فاتضح لي أن هذه الجنيهات الثمانمائة مبلغ لا يستهان به، خصوصا في وقت أنا فيه بحاجة إلى ... إلى إيه ... إلى مائة فقط.
ومن ناحية أخرى فإنني ذهبت إلى أن إخراج الفيلم الجديد قد يعوضني ما فات في سابقه (ياقوت)، لا سيما وأن مدير الإنتاج الأخير قد أظهر لي منتهى الاستعداد في أن يدع لي جميع المهام الفنية التي يقضتيها إظهار الفيلم في مظهر لائق.
وجاء المدير المالي بشخص وفد من بلاد المجر، وقال لي إنه شقيق السينمائي الشهير «فاركاتش» الذي اقترن اسمه باسم فيلم (الموقعة)، مثل فيه شارل بواييه ... وأنه ... وأنه ... إلخ ... فقلت له إنني لا أطمئن لمخرج أجنبي، حتى ولو كان من الذين أشرفوا على أفلام جريتا جاربو ومارلين ديتريش، لأنه لن يصل إلى حقيقة أخلاقنا وباطن عاداتنا، قلت هذا قبل أن أرى المخرج المذكور أو أختلط به، فلما تم ذلك زدت يقينا بما أدليت، واعتقدت أنني سائر بالفيلم الجديد في نفس الطريق الذي رسم في رصيفه القديم، وأن «شهاب الدين» لا يزال يسعى وراءنا مطالبا بأخيه!!
وحاول المنتج أن يزيل مخاوفي فطمأنني بأنه سيتركني أقبل ما بدا لي.
وبدأنا الفيلم ، بل وقطعنا في العمل شوطا بعيدا، كانت الحزازات أثناءه بيني وبين المخرج تزداد ضراما، لأنني كنت أشاهد بعيني منه عكس ما أريد، فقد كانت إرشاداته للممثلين في المواقف الفكاهية باعثة على البكاء ... لا على الضحك.
وعرض الفيلم على المتفرجين، وكنت بين المتفرجين بالإكراه. وأصارحك أيها القارئ العزيز بأنني حين رأيت نفسي على الشاشة لم أكن أتصور أنني بمثل هذه الفظاعة المؤلمة، وأنني من السخافة على مثل هذه الدرجة التي ابتدعها المخرج من «صبيان» أفكاره البايخة، حتى لقد كان يتراءى لي - كمتفرج - أنني لو لقيت نجيب الريحاني عند الباب أثناء خروجي، لخلعت - يكرم من سمع - ونزلت ترقيع في أصداغه إلى أن أوصله بيته العامر!
Bilinmeyen sayfa