وانتهى موسم 1931، وأسدلنا الستار على آخر لياليه. ورحت أعاود بفكري ما انتابني فيه، فتراءى لي أولا ما كان من قسوة الجمهور في معاملة «الجنيه المصري»، وما كان من الحكومة اللي أنزلتني لجنتها درجة بعد درجة إذ كان أملي معقودا على التقدم درجات! أضف إلى ذلك ما كنت أحس به من اضطرابات داخلية يرجع الفضل في أكثرها إلى القلب، وما صدم به من فشل في الحياة الخاصة، وهو ما كنت أبذل جهودي في كتمه عن الناس قاطبة، محتفظا بآلامه لنفسي وحدها.
في شمال أفريقيا
آليت على نفسي أن ألجأ إلى الراحة فترة من الزمن، أستريح فيها لا من عناء الأعداء وألسنتهم، التي كانت في قوارصها أحد من السيف وأشد من العضب، ومضت أيام شعرت بعدها أن ميلي إلى الجمهور العزيز وحبي له، يدفعني إلى العودة لمفاجأته. ورغم ما لقيت منه من عنف وظلم، فإن ميلي له لم يتخلله وهن ولا ضعف. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشعب سريع النسيان، فما هي إلا أن يغيب عن ناظره الشخص فترة حتى يدرجه في قائمة المنسيين، وحتى يصبح وكأنه لم يكن بالأمس ملء العين والأذن.
وكانت هذه العوامل سببا في أن أفكر في العودة إلى الظهور سريعا وكان أن تقدمت إلى إدارة كازينو الفانتازيو بالجيزة للعمل به شهرا أثناء الصيف، فمددت يدي مستريحا إلى ذلك. ويهمني هنا أن أقول بأنني نلت من عطف عبد الخالق مدكور (باشا) صاحب الكازينو ومن محبته ومعونته، ما لا أزال أذكره بالشكر والحمد الوافر. وأمضيت شهر الفانتازيو على خير ما أريد. فنجحت كما أؤمل، وعادت أواصر المودة بيني وبين الجمهور سيرتها الأولى. وكأن الذي جرى ما كان. ويا دار ما دخلك شر.
إلى المغرب
وفي هذه الأثناء قابلت صديقنا (الأستاذ علي يوسف) بعد عودته من بلاد المغرب، وكان قد رحل إليها مع فرقة السيدة فاطمة رشدي كدليل أو بالاصطلاح الفني (امبرزاريو) ... وراح يصف لي مقدار محبة القوم هناك لفن التمثيل، وشغفهم به، وكيف أنهم لا يضنون بأموالهم في سبيل مشاهدته. ثم أضاف إلى ذلك أنني إذا قصدت إلى بلاد المغرب، عدت منها مملوء الوفاض بأموال تحتاج في حصرها وعدها إلى حنكة صرافي بنوك العاصمة مجتمعين!
ولقيت أقوال علي يوسف مني نفسا «مفتوحة» وجيوبا «برضه مفتوحة»! فعزمت عزما صادقا على الرحيل كي أدلي بدلوي في دلاء هذه الثروة القريبة المنهل، السهلة المنال، وبدأت في تأليف فرقتي وكنت إذ ذاك في حاجة إلى مطربة تقوم بالأدوار الأولى في رواياتي، وتمثل الأدوار التي كانت تضطلع بها السيدة بديعة مصابني، التي خلا محلها منذ عهد طويل، فطوى معها كثير من الروايات التي كانت هي البطلة فيها.
وبعد البحث تمكنا من الاتفاق مع المطربة حياة صبري، التي كانت فيما قبل تلميذة لفقيد الموسيقى الشيخ سيد درويش، وقام قبلنا إلى بلاد المغرب الأقصى (الامبرزاريو) المحترم علي يوسف. وكانت مهمته أن ينشر الدعاية اللازمة للفرقة، وأن يقوم بحركة الإعلان الكافي لتعريف الناس في تونس والجزائر ومراكش بمكانة الممثلين الذين تضمهم، والممثلات اللواتي يعملن فيها. وعليه إلى جانب ذلك أن يبيع الليالي لمن شاء، أو أن يطبع التذاكر ويوزعها على الراغبين، ثم يرسل إلينا جانبا من المال، نستعين به في الموعد الذي يحدده.
نقول إن علي يوسف قام قبلنا، ومكثنا نحن في مصر نوالي عمل البروفات لجميع الروايات، ونحن نحدث أنفسنا بالخير الوافر الذي ينتظرنا في هذه الرحلة العتيدة.
الممثلة الأولى
Bilinmeyen sayfa