وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وَتَرَاكِيبِهِ، وَأَسَالِيبِهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الأخبار الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ المحكمة الجلية، والتحدى بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ الْكَامِلَةِ- وَهِيَ أَعْظَمُ فِي التَّحَدِّي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ- يَعُمُّ جَمِيعَ (أَهْلِ الْأَرْضِ) مِنَ الْمِلَّتَيْنِ أَهْلِ الكتاب وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الأقطار والأمصار. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ معارضته مع إنكار ذلك، أو هو سلب قدرتهم عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ ومخلوق، وقولهم: هذا كفر وباطل وليس مطابقا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفى نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وتناصروا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسُلُ الَّذِينَ هم أفصح الخلق وأعظم الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا الْقُرْآنُ (الَّذِي) يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ ﷺ عن الله، أسلوب كلامه لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأساليب كلامه ﵇ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فِيمَا يرويه من المعانى بألفاظه الشريفة، بل وأسلوب كلام الصحابة أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إلى زماننا، (و) علماء السلف أفصح وأعلم، وأقل تكلفا، فيما يرونه مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا:
(حَدَّثَنَا) حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ
1 / 14