Dehâ-engiz Ahmed
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Türler
Belagat
الروح في اللغة: الريح، وأكثر ما يستعمل في الريح المستلدة، وقد يستعمل في معنى الراحة، وقيل: أراد بشم الروح: الحياة. والقبول: الريح تأتي من جهة القبلة، وخصها لأنها كانت تجيء من ناحية حبيبه. وأدنى: فعل متعد من دنيت.
والمعنى: إذا كانت الحياة وشم الروح يقربني إليكم، فلا فارقتني حياة ولا برحت مكاني روضة وقبول؛ لأنها تكون سببًا إلى انتشاق روائحكم. وهذا توكيد لعذره في الحياة بعدهم؛ لأنه يجد في الحياة أسبابًا تقربه منهم: من نسيم محبوبته، وامتزاج أنفاسه بأنفاسها، ووصول القبول من جهته، وغير ذلك.
وقيل: إن أدنى: اسم بمعنى أقرب: يعني أن شم الروح إذا كانت أقرب إليكم، قرب المسافة، وأدنى إلى جهتكم، فلا فارقني الذي هو قريب منكم.
وقيل: أراد بالقرب. قرب المحبة دون المسافة.
ومعناه: إذا كان شم الروح أقرب إلى قلوبكم وأشبه بإيثار محبتكم، فلا فارقتني الروضة والقبول، حتى لا أكون مفارقًا ما تهدون وتؤثرون.
وقيل: معناه إذا لم يكن من فراقكم إلا التعلل بالنسيم، شهة لما كان ينالني من الفرح بقربكم، فلا فارقتني روضة وقبول يهيج ذلك النسيم لي. لأشمه. ومعناه: إني أرضى بقليل الراحة من الشوق، إذا لم أصل إلى الحبيب.
والأولى في برحتني أن يكون فعلًا تامًا، كفارقتني، فيكون روضة رفعًا به ولا يحتاج إلى الخبر، كقوله تعالى: " فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ " وعن ابن جني أنه من باب كان وروضة اسمه وهي نكرة، وخبره: ضمير لشم الروح، ونكر اسمه لأجل القافية ضرورة.
وما شرقي بالماء إلا تذكّرًا ... لماءٍ به أهل الحبيب نزول
نصب تذكرا على الحال، أي متذكرا، ويجوز أن يكون مفعولا له.
يقول: إذا أردت شرب الماء تذكرت الماء الذي نزل عليه أهل من أحبه فشرقت بهذا الماء، لما خنقني من العبرة، أو لأجل أني كنت أشتهي أن يكون شربي من الماء الذي نزلوا عليه، لمجاورته إياهم.
وحكى أن الصاحب أنشد هذا البيت فقال: ليس والله هذا هوى وصبابة، ولكنه وفاء ورعاية.
يحرّمه لمع الأسنّة فوقه ... فليس لظمآنٍ إليه وصول
يقول: إن هذا الماء ممنوع الوصول إليه مما فوقه من الرماح، وما حوله من الأبطال، فلا يصل إليه أحد؛ لعزة قومه.
أما في النّجوم السّائرات وغيرها ... لعيني على ضوء الصّباح دليل؟
يقول مستفهمًا، ومستطيلا لليل: أما في نجوم هذا الليل السيارة منها، والثابتة - على ما يقوله المنجمون - نجم يدل على ضوء الصباح، وزوال الظلام؟ لأن كثيرًا من النجوم يختص طلوعها بأواخر الليالي، فيجب أن يعرفه، ليدل على قرب الصباح. وروى: أما في النجوم الساريات وغيرها: معناه ليس في هذه النجوم التي تسري بالليل ولا في غير النجوم: من صوت طائر وغيره، ما يدل على طلوع الفجر وذهاب الليل.
ألم ير هذا اللّيل عينيك رؤيتي ... فتظهر فيه رقّةٌ ونحول؟
روى: رقة ودقة يقول: ألم ير هذا الليل الطويل عينيك يا حبيبتي مثلما رأيتهما؟! حتى يذوب ويزول، فيصيرنا حلًا دقيقًا مثلي.
وقيل: معناه يا رؤيتي. يعني. ألم ير الليل عينيك يا رؤيتي؟! ولم يرد معهما ونحولهما فيرحمني، ويرق لي، ويظهر فيه النحول والقصر رقة علي، فيزول الليل ويقصر.
لقيت بدرب القلّة الفجر لقيةً ... شفت كمدى واللّيل فيه قتيل
تخلص إلى مدح سيف الدولة وقال: لقيت الفجر في هذا الموضع. الذي فيه درب القلة، لقية واحدة، وهذه اللقية شفت حزني وأذهبت كمدى، وصار الليل قتيلًا؛ لانقطاعه وذهابه. وقيل: إنما يجعل الليل قتيلا، لأنه أراد أن الحمرة التي تظهر عند الفجر كانت كالدم على بدن القتيل.
وقيل: لم يرد حقيقة الفجر، وإنما أراد نيرانًا أوقدها سيف الدولة بدرب القلة، وكان ضياؤها مختلطًا بالدخان، فشبه اختلاط الضياء بالدخان، بالفجر الذي يختلط فيه الظلام بالضياء. والهاء في فيه تعود إلى الدرب. وقيل: تعود إلى القلة، وذكره على تأويل الموضع والمكان، ودرب القلة: موضع ببلاد الروم.
وعن ابن جني قال: سألته وقت القراءة عليه عن معنى هذا فقال: كنا نساير سيف الدولة فلقينا القلة وقت السحر مع الفجر، فكأني لقيت الفجر بها، ثم سرنا صبيحة ذلك اليوم إلى العصر وشننا الغارات، وغنمنا.
ويومًا كأنّ الحسن فيه، علامةٌ ... بعثت بها والشّمس منك رسول
1 / 298