Dehâ-engiz Ahmed
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Türler
Belagat
يقول: ليس المجد إلا السيف، وليس البكر إلا الفتك بالأعداء، وقتل الملوك، وزعامة الجيش، فيرى لك الغبار: السواد. والهبوة: غبار العسكر العظيم، فتكون زعيمًا لهم تقودهم حيث شئت. وفسر بهذين البيتين ما أراد بقوله: تأخذ وسعها.
وتركك في الدنيا دويًا كأنما ... تداول سمع المرء أنمله العشر
أنمله العشر: فاعل تداول. والهاء: للمرء. وتداولها للسمع: أنها تذهب عليه وتجيء.
شبه الصوت الذي يكون في الحرب بصوت البحار الذي يسمعه الإنسان، إذا سد بأنامله أذنيه أراد أن المجد ما تقدم ذكره، وأن تترك في الدنيا أصوات العساكر على هذا الوصف.
إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقصٍ ... على هبةٍ فالفضل فيمن له الشكر
يقول: إذا كان فضلك لا يرفعك عن قبول صلة ناقصٍ، حتى تحتاج إلى أن تشكره على هبته! فالفضل له لا لك؛ لأن اليد العليا خير من اليد السفلى.
قال أبو الفتح: أراد بذلك أنه إذا اضطرتك شدة الزمان إلى شكر الناقص من الناس لأجل ما تتبلغ به إلى مكان الفرصة، فالفضل فيك ولك لا للممدوح المشكور.
وأراد الأول وهو الظاهر.
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقر
يقول: من يفن عمره في جمع المال؛ خوفًا من الفقر، فما يفعله هو الفقر!! لأنه أبدًا في غم الفقر، ويشقى بما يجمع ولا ينتفع به.
علي لأهل الجور كل طمرةٍ ... عليها غلامٌ ملء حيزومه غمر
الطمرة: قيل إنها الفرس العالية المشرفة. والحيزوم: الصدر. والغمر: الحقد.
يقول: واجب علي أن أقصد كل ملك جائر بكل فرس طمرة، عليها كل غلام قد امتلأ صدره بالحقد ومحبة الحرب.
يدير بأطراف الرماح عليهم ... كئوس المنايا حيث لا يشتهى الخمر
يقول: كل غلام يدير على أهل الجور، بأطراف الرماح كئوس المنايا في مضايق الحرب، التي لا يشتهى فيها شرب الخمر.
وكم من جبالٍ جبت تشهد أنني ال ... جبال وبحرٍ شاهدٍ أنني البحر
يقول: كم من جبال قطعتها، فلو نطقت لشهدت أنني مثلها؛ لثباتي على الحالات، ولوقاري، وكم من بحر قطعته، لو نطق لشهد أنني بحر مثله؛ لسخائي وبعد غوري.
وقيل: أراد أن الجبال تشهد أني مثلها؛ من حيث أنها تندق تحت حوافر خيلي، فتصير أرضًا لها! والبحر يصير مغمورًا بخيلي، فتكون به الخيل بحرًا، والبحر قطرًا.
وخرقٍ مكان العيس منه مكاننا ... من العيس فيه: واسط الكور والظهر
وخرق: عطف على جبال ومكان: ابتداء. ومكاننا: خبره. أي: مثل مكاننا، ثم حذف المضاف. وفيه: مع ما يتعلق به حال من العيس. أي من العيس الكائنة فيه. والضمير: لخرق. وواسط: بدل من مكاننا. ويجوز أن يكون تفسيرًا له. والظهر: معطوف على واسط.
يقول: كم من أرض واسعة جئتها، وكانت الإبل تسير فيها أبدًا، فكأنها واقفة في وسطها لا تبرح عن ظهورها.
والكور: الرحل. وواسط: وسط، الذي يركب فيه الراكب.
يخدن بنا في جوزه وكأننا ... على كرةٍ أو أرضه معنا سفر
الوخد: السير السريع. وجوزه: وسطه. والهاء في جوزه: للخرق. والسفر: المسافرون. وهذا البيت يتعلق بما قبله.
ومعناه: أن الإبل تسير بنا وسط هذا الخرق، ولا تبرح منه، حتى كأننا على كرةٍ؛ لأن من شأن الكرة أن تقطع الأرض سيرًا، وليس لها حالة الاستقرار، حتى كأن الأرض مسافرة معنا. هذا بيان لقوله: كأننا على كرة.
قلت: ويحتمل أنه أراد كأننا على الفلك الذي يدوم سيره ولا ينقطع، وكأن الأرض مسافرة معنا، ولقد أخذ هذا المعنى السري الكندي فقال:
وخرقٍ طال فيه السير حتى ... حسبناه يسير مع الركاب
ويومٍ وصلناه بليلٍ كأنما ... على أفقه من برقه حللٌ حمر
الهاء في أفقه وبرقه: لليوم.
يقول: وكم من يوم وصلنا سيره بسير الليل، فكأن برق ذلك اليوم المطير، على أفق هذا اليوم حلل حمر.
وليلٍ وصلناه بيومٍ كأنما ... على متنه من دجنه حللٌ خضر
الدجن: السحاب الدائم المنن، وأراد بالخضر: السود.
يقول: رب ليل وصلنا سراه بسير النهار، فكأنما على متن هذا الليل من العتمة، حلل خضر: أي سود. وروى: من صحوه، فيكون أراد بالخضرة: لون السماء.
وغيثٍ ظننا تحته أن عامرًا ... علا لم يمت، أو في السحاب له قبر
عامر: جد الممدوح.
1 / 163