Modern Şehirlerin Problemleri
معضلات المدنية الحديثة
Türler
يمضي بك دكتور فريمان بعد هذا إلى البحث في حالات الإنتاج، وينظر نظرة عميقة في نظرية اقتسام العمل في المدنية الحديثة؛ ليقول لك في النهاية إن الأساس الذي قسم به العمل في الانقلاب الإنتاجي الأخير كان من شأنه أن يقضي على الفنان القديم، فلست تجد اليوم عاملا في مصنع أحذية في مستطاعه أن يصنع حذاء كاملا، حتى في مدارس الفنون فإن النشء لا يتعلمون فيها كيف يصبحون فنانين، بل لا يتعلمون إلا ليكونوا مديري معاهد تعلم الفن، ولست تجد أن الحال بأمثل من هذا في مدارس الصناعة.
يعرف كل الباحثين في الحالات القائمة اليوم في نواحي العالم أن الإنسان لا يقف على حقيقة ما تتضمنه إدارة الحكومات من إسفاف وإسراف وعجز، إلا إذا قاس ما فيها من جماع هذه الصفات بما في الإدارات الفردية التي يقوم بها الأفراد المستقلون من نظام وجدارة وحسن إدارة، فإن كل رجال العمل الذين رافقوا الجيوش في الحرب الأخيرة والذين قلما عرفوا شيئا من أحكام الإدارة الصحيحة، قد أجمعوا على الاعتقاد بأنه إذا قدر على مصنع من المصانع أن يدار على نفس القاعدة التي كان يدار بها الجيش المحارب، فإنه لا بد من أن يتردى في مهاوي الإفلاس بعد أسبوع واحد من الزمان. ومع كل هذا فإنا نسمع صيحة الملكية الشعبية وإدارة الحكومات رانة الصدى بعيدة الغور في الأسماع، وما هي إلا صيحة لا تؤدي في فهم دكتور فريمان من معنى إلا معنى التبدل من نظام دلت التجاريب على صلاحيته وثباته كوسيلة للإنتاج، بنظام لم تقم من تجربة واحدة على أن فيه صفة واحدة من الصفات التي تضمن له النجاح.
لا يلبث هذا الباحث بعد أن يمر بك في أغوار سحيقة من تحليل الاجتماعية الحديثة، أن يقذف بك في غور آخر من أغوار البحث في طبائع الجماعات، وإذا بك تبحث معه في تقسيم الجماعات الإنسانية إلى فئات صغرى، كل منها تحكم بقوة نظام قائم في تضاعيفها، ولا تسود في فئة منها من صفة إلا صفة العناد والمنافسة لغيرها من الفئات، بل وللجمعية التي تنتمي إليها هذه الفئات في مجموعها، ثم لا يلبث أن يخلص من بحثه بنتيجة لا تشعر إلا بحزن، ولا تحس إلا بقلق كلما فكرت فيها أو تأملت منها، إذ يقول:
لقد تبدلت الإنسانية من روح الوطنية والحب المتبادل والعطف الرعوي، تلك الروح التي أقامت دعائم المدنية والتي لن تقوم المدنية بدونها؛ بروح العداء المتبادل بين الجماعات، مشفوعا بالجشع الاجتماعي والإسفاف في الطماعية والحسد الممقوت. (2-2) أثر البيئة الاجتماعية
ما هي البيئة الاجتماعية؟ قد يمكن أن نضع لها تعريفا، وقد يتفق أن يكون تعريفا جامعا لمدلولاتها، غير أن البحث في الحالات الاجتماعية يتطلب من الباحث أن يضع بجانب ما يحدد من تعاريف أمثالا تزيد كل من أراد الإكباب على درس معضلات المدنية الحديثة ومشكلات الاجتماع وقوفا على حقيقة الظروف القائمة حول الإنسان وجماعاته المدنية. على أننا نعتقد أن وضع التعاريف طريقة كاد يمضي زمانها في البحث العلمي، لتحل محلها طريقة الشروح المستفيضة المشفوعة بالأمثال التي تكون في العقل كفاءة يقتدر بها على فهم النظريات الحديثة مقتطعة من مشاهدات واقعة وحالات ثابتة قائمة، هذه هي الطريقة المتبعة على الأقل في علوم الحياة الاجتماع، وعلى الأخص في علم التاريخ الطبيعي وفروعه الكثيرة.
لهذا لا نحاول أن نضع تعريفا للبيئة الاجتماعية، بل نمضي في بحثها لا لنصف لك ضروبا من مختلف المؤثرات التي أثرت في الإنسان في حالاته الماضية والحاضرة، بل لنكشف لك عن أن أثر البيئة إذا ما تراكمت جموع البشر في بقاع من الأرض تنقلب آيته من عامل نشوئي ارتقائي إلى عامل مهدم لكيان الجماعات.
للبيئة ثلاث حالات؛ الأولى: حالة يكون فيها تزايد الأفراد في جمعية ما عاملا على زيادة قوتها ورفاهيتها وغلبتها، إذ يكون في البيئة نواح من الفراغ لا بد من أن يسد فراغها تزايد أفراد الجمعية، والثانية: حالة يبلغ فيها عدد الأفراد حدا لا تحتمل البيئة أكثر منه، والثالثة: حالة يزيد فيها عدد الأفراد على ما تستطيع البيئة أن تحتمل منهم، فيخلق جو مصطنع يمضي بالجماعات في سبيل الفساد والفناء. وسنرى الآن أن جماعات المدنية الحديثة في أوروبا، عنوان هذه المدنية ومهبط وحيها، قد بدأت تدلف بقدمها في مهاوي الحالة الثالثة من حالات البيئة الاجتماعية.
نريد الآن أن نضرب لك مثلا نطبقه على هذه الحالات الثلاث، ولذا نرجع بك إلى معمل من المعامل البكتريولوجية الحديثة، ونضع بين يديك أنبوبة من الزجاج نملؤها بمادة جيلاتينية تساعد على نماء الجراثيم، ونزرع فيها كمية قليلة من الميكروبات، ونتركها لتتكاثر بالانقسام شأن بقية الخلايا الحية، في هذه الجراثيم أو الميكروبات، أو ما شئت فادعها صفة الحياة، فهي تتكاثر جيلا بعد جيل على قدر ما في أجيالها من قصر البقاء، وإن كان بقاؤها خالدا لأنها إنما تتوالد بالانقسام، إذ تنقسم كل خلية منها إلى قسمين، يصبح كل قسم منهما فردا مستقلا بذاته.
يحيط بهذه الميكروبات، لأول عهدها بالازدراع في تلك الأنبوبة، بيئة تصلح لانقسامها وتكاثرها، إذ تحوي كل المؤهلات الضرورية التي تعضد بها عددا محدودا من الأفراد زائدا عن العدد الذي زرع فيها، ومن طريق التكاثر يزداد عدد هذه الميكروبات آنا بعد آن حتى تسد في البيئة كل فراغ يمكن أن تعيش فيه أفرادها المتولدة عن العدد الأول، غير أن الطبيعة لم تهب الإحياء بما فيها الإنسان من الوسائل التي يحدد بها عدد النسل وسيلة يستطاع بها أن يحفظ عدد الأحياء المتكاثرة بنسبة رياضية متضاعفة دواليك، واقفا عند حد لا يقلب نظام البيئة من عامل نشوئي إلى مؤثر انقراضي، لهذا تجد أن الميكروبات إذا تكاثرت لأزيد مما يكون في مستطاع البيئة أن تعضد، أصبح تكاثرها عاملا من العوامل المؤثرة في البيئة ذاتها تأثيرا يذهب بالأحياء سراعا في طريق الفناء والانقراض، فإنك إذا لاحظت أنبوبة الجيلاتين التي يزرع فيها ذلك العدد المحدود من الميكروبات، لا تلبث أن تجدها تتكاثر بسرعة كبيرة بداءة ذي بدء، وأنها تستمر على نسبة هذه الزيادة زمانا ما دام في مستطاع البيئة أن تحتمل من الأفراد عددا لا يفسد جوها ويشبعه بعوامل الفساد، ثم لا تلبث على هذا هنيهة حتى تجد أن نسبة التكاثر قد أخذت تقل شيئا فشيئا حتى تقف تماما عند ذلك الحد الذي تصبح فيه البيئة غير قادرة على أن تعضد عددا آخر من الأفراد، ثم ماذا؟ ثم تجد أن جو البيئة لا يمضي بعد ذلك إلا قليلا حتى يتشبع بتلك السموم التي تفرزها الأفراد التي عجزت عن مقاومة مؤثرات البيئة بعد أن امتلأت جنباتها بما ضاق عن سعتها، فتأخذ من ثم نسبة الفناء تمعن ازديادا كلما زاد تشبع جو البيئة بهذه السموم، حتى إذا بلغت نسبة الفناء أقصى حد أخذت في التناقص، لا لتفسح مجال الحياة والبقاء للبقية الباقية من الأفراد، بل لتترك فلول الجمعية المحطمة على صخور البيئة منهوكة القوى ضعيفة التكوين عاجزة عن التكاثر فتفنى فردا بعد فرد حتى تذهب تماما من عالم الوجود. ولن تجد في تلك الكتلة الجيلاتينية من أثر يدل على أنها كانت يوما ما بيئة صالحة أهلت بها جماعة من جماعات الأحياء، اللهم إلا آثارا لا تدل على شيء إلا على مأساة الخراب والدمار واقعة على الجماعة التي غشيتها بفعل البيئة، إذ تنقلب من عامل نشوئي إلى عامل فنائي بفعل التكاثر والازدياد.
شبه هذه الأنبوبة بمعمل من معامل الإنتاج الميكانيكي بما يحيط به من منازل العمال ومساكن الصناع، وشبه الكتلة الجيلاتينية بما تستطيع الأيدي العاملة أن تربح من جهد أيديها، وشبه انقسام الميكروبات بتكاثر العمال بالتناسل تكاثرا يزيد عما في طوق الأيدي العاملة أن تعضد، وأنت لا تلبث أن تجد أن النتيجة محتومة في البيئات الإنسانية التي تبلغ هذا المبلغ، كما هي محتومة على كل الأحياء، إن هي قلبت بتكاثرها وحشدها المصطنع نظام البيئة من مؤثر نشوئي إلى مؤثر انقراضي. (2-3) تحليل الكائن الاجتماعي
Bilinmeyen sayfa