Muvaviye İbn Ebi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Türler
فالعصبية في القبائل العربية خليقة لا تهمل في حساب المنازعات والمناظرات في زمن من الأزمان، ولكنه من السخف أن يقال إن العصبية كانت علة انتصار اليمانية لبني أمية على بني هاشم، وإن اعتزاز الهاشميين بالنبوة هو الذي أحفظ عليهم صدور القبائل من غير المضريين، الذين ينتمي إليهم بيت النبوة من بني هاشم.
فقد كان بنو هاشم وبنو أمية جميعا من قريش، وكان اعتزاز بني أمية بالنسبة القرشية أظهر وأجهر من اعتزاز الهاشميين عند قيام دولتهم - دولة الأمويين - إذ كانت هذه النسبة حجتها من جانب النسب في استحقاق الخلافة، وقد كانت اليمن هي القطر الوحيد الذي رحب بوالي الإمام علي في أول بيعته، وكان الأنصار أهل المدينة من حزبه وهم - بين أوس وخزرج - ينتمون إلى اليمانية، وكانت كندة تنصره وظلت على نصرته، ونصرة أبنائه زمنا طويلا بعد قيام الدولة الأموية والدولة العباسية، وكان أشد أعوان الفاطميين بعد ذلك من اليمانية في المشرق وفي المغرب، ولما تلاقى جيش علي وجيش معاوية في وقعة صفين كانت القبيلة العربية الواحدة تقاتل في كلا الجيشين ... قال ابن الأثير: «وسأل علي عن القبائل من أهل الشام فعرف مواقفهم، فقال للأزد: اكفونا الأزد، وقال لخثعم: اكفونا خثعم، وأمر كل قبيلة أن تكفيه أختها من الشام، إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى من الشام ليس بالعراق منهم أحد؛ مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا القليل صرفهم إلى لخم ...»
فالنزاع بين اليمانية والمضرية لم يكن نزاعا على فخر النبوة، ولا على فخر الخلافة عند بداءة أمره، وإنما كان نزاعا بين سلاحين أو بين جيشين متنافسين في مكان واحد، عدا ما هنالك من النزاع بين الفكرين، ونحن نرى في عصرنا - وفي كل عصر - أمثال هذا التنافس بين الأسلحة كلما جنح ولاة الأمر إلى فريق منهم دون فريق، وقد رأينا هذا التنافس بين سلاح البر وسلاح البحر وسلاح الهواء في الجمهورية الفضية، وكلهم من جنس واحد أو قومية واحدة؛ لأن ولاة الأمر هناك يؤثرون سلاحا على سلاح في التنازل بينهم على السند الذي يستندون إليه.
لقد كانت عصبية النسب عنوانا من عناوين الخلاف بين قبائل اليمن، وقبائل مضر في دولة بني أمية بالشام، ولكن هذه العصبية لم تكن لازمة كل اللزوم لإثارة الخلاف حينما أريد لغرض من أغراض السياسة، وقد حدث مثله بين قبائل اليمن، وحدث مثله بين قبائل مضر على حسب الطوارئ والمناسبات، ولو كان الجند كلهم من قبيلة واحدة وأراد ولي الأمر أن يثير المنافسة بينهم؛ لما أعياه ذلك كما حدث في هذا العصر بين الشعوب الأمريكية في الجنوب على ما قدمناه. •••
ومعاوية كان يريد النزاع بين اليمانية والمضرية، ولم تكن له من خطة ثابتة فيه غير التفرقة بينهم تارة إلى هؤلاء، وتارة إلى هؤلاء، وقد كان هو نفسه من المضريين، ولكنه كان يبدو في بعض الأحايين كأنه من أبناء اليمن عدو لأبناء مضر، وطابت له هذه السياسة فاستمرأ
24
مرعاهم الوخيم حتى كانت عقباها ضياع الدولة الأموية كلها بعد جيلين.
وأبرع ما برع فيه من ألوان الدهاء إلقاء الشبهة بين خصومه في زمن كانت فيه هذه الشبهات من أيسر الأمور؛ لكثرة التقلب والتحول في الدول والممالك بين أنصار اليوم وخصوم الأمس، أو أنصار الأمس وخصوم اليوم ...
كان إذا أراد أن يستميل أحد البطارقة من دولة الروم فاستعصى عليه؛ كتب له رسالة مودة وثناء، وأنفذها مع رسول يحمل إليه الهدايا والرشا كأنها جواب على طلب منه يساوم فيه على المصالحة والغدر برؤسائه من دولة الروم، ويخرج الرسول العربي من طريق متباعد كأنه يتعمد الروغان من العيون والجواسيس، فإذا اعتقله الروم - ولا بد أن يعتقلوه لأنه يتعرض للاعتقال ويسعى إليه - وقعت الشبهة على البطريق المقصود، وتعذر الاطمئنان إليه من قومه بعد ذلك، وعزلوه وأبعدوه إن لم ينكلوا به أشد النكال ...
وقد احتال بمثل هذه الحيلة على قيس بن سعد حتى أوقع الريبة منه في نفس الإمام ، وساعدته الحوادث على خلق هذه الريبة كما أجملنا ذلك في كتابنا عن عبقرية الإمام «فشبهاته لم تكن بالقليلة ولا بالضعيفة؛ فإن قيس بن سعد لم يدخل مصر إلا بعد أن مر بجماعة من حزب معاوية، فأجازوه ولم يحاربوه وهو في سبعة نفر لا يحمونه من بطشهم، فحسبوه حين أجازوه من العثمانيين الهاربين إلى مصر من دولة علي في الحجاز، ولما بايع المصريون عليا بقي العثمانيون لا يبايعون ولا يثورون، وقالوا لسعد: أمهلنا حتى يتبين لنا الأمر، فأمهلهم وتركهم وادعين حيث طاب لهم المقام بجوار الإسكندرية ... وأراد الإمام أن يستوثق من الخصومة بين قيس ومعاوية، فأمر قيسا أن يحارب المتخلفين عن البيعة فلم يفعل، وكتب إليه يقول: إننا متى قاتلنا ساعدوا عليك عدوك وهم الآن معتزلون، والرأي تركهم ...»
Bilinmeyen sayfa