وحدثني الشيخ أبو الحسن الرعيني - رحمه الله - قراءة عليه ومناولة من يده ونقلته من خطه، قال: وكان قد اتصل - يعني شيخه أبا محمد عبد الكبير - بابن رشد المتفلسف أيام قضائه بقرطبة، وحظي عنده فاستكتبه واستقضاه، وحدثني - رحمه الله - وقد جرى ذكر هذا المتفلسف وما له من الطوام في محادة الشريعة، قال: إن هذا الذي ينسب إليه ما كان يظهر عليه، ولقد كنت أراه يخرج إلى الصلاة وأثر ماء الوضوء على قدميه، وما كدت آخذ عليه فلتة واحدة، وهي عظمى الفلتات، وذلك حين شاع في المشرق والأندلس على ألسنة المنجمة أن ريحا عاتية تهب في يوم كذا وكذا في المدة تهلك الناس، واستفاض ذلك حتى اشتد جزع الناس منه واتخذوا الغيران والأنفاق تحت الأرض توقيا لهذه الريح.
ولما انتشر الحديث بها وطبق البلاد استدعى والي قرطبة إذ ذاك طلبتها وفاوضهم في ذلك، وفيهم ابن رشد - وهو القاضي بقرطبة يومئذ - وابن بندود، فلما انصرفوا من عند الوالي تكلم ابن رشد وابن بندود في شأن هذه الريح من جهة الطبيعة وتأثيرات الكواكب، قال شيخنا أبو محمد عبد الكبير: وكنت حاضرا فقلت له في أثناء المفاوضة: إن صح أمر هذه الريح فهي ثانية الريح التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد، إذ لم تعلم ريح بعدها يعم إهلاكها، قال: فانبرى لي ابن رشد ولم يتمالك أن قال: والله وجود عاد ما كان حقا، فكيف سبب هلاكهم؟ فسقط في أيدي الحاضرين وأكبروا هذه الزلة التي لا تصدر إلا عن صريح الكفر والتكذيب لما جاءت به آيات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقال ابن الزبير: كان من أهل العلم والتفنن، وأخذ الناس منه واعتمدوه إلى أن شاع عنه ما كان الغالب عليه في علومه من اختيار العلوم القديمة والركون إليها وصوب عنانه جملة نحوها حتى لخص كتب أرسطو الفلسفية والمنطقية، واعتمد مذهبه فيما يذكر عنه ويوجد في كتبه، وأخذ ينحي على من خالفه ورام الجمع ين الشريعة والفلسفة، وحاد عن ما عليه أهل السنة فترك الناس الرواية عنه حتى رأيت بشر اسمه متى وقع للقاضي أبي محمد بن حوط إسناد عنه إذ كان قد أخذ عنه وتكلموا فيه بما هو ظاهر من كتبه، وممن جاهده بالمنافرة والمهاجرة: أبو عامر يحيى بن أبي الحسين بن ربيع ونافره جملة، وعلى ذلك كان ابناه: القاضي أبو القاسم وأبو الحسين، ومن الناس من تعامى عن حاله وتأول مرتكبه في انتحاله، والله أعلم بما كان يسره من أعماله، وحسبنا هذا القدر.
وقد كان امتحن على ما نسب إليه وامتحانه مشهور، وقال الحاج أبو الحسين بن جبير فيه وفي نكبته:
الآن قد أيقن ابن رشد
أن تواليفه توالف
يا ظالما نفسه تأمل
هل تجد اليوم من توالف
وله فيه:
لم تلزم الرشد يا ابن رشد
Bilinmeyen sayfa