Mısır ve Şam Geçmişte ve Günümüzde
مصر والشام في الغابر والحاضر
Türler
أهلك الحرث وكم من فتنة
أمها بالجهل فيما لا يفيد
مذ دهاه الموت ما أفلته
لا ولا كان له عنه محيد
خاب سعيا بوفاة أرخو (ها وخاب كل جبار عنيد/999)
ولم يكن الشام أسعد حظا بولاته من مصر، فقد وليه طائفة من الولاة القساة الظلمة، ولم يكن قضاة الشرع فيه أفضل من الولاة؛ ففي سنة 934ه قتل أهالي حلب قرا قاضي علي بن أحمد الذي جاء لتفتيش أوقاف حلب وأملاكها، وللنظر على الأموال السلطانية، ولرفع ثمن القمح والملح وجعله أغلى من الفلفل، ولما ضيق على الناس انتهزوا فرصة دخوله على المسجد الجامع للصلاة يوم الجمعة وتجمعوا عليه وقتلوه ضربا بالنعال ورجما بالحجارة.
ولم يكن الولاة العثمانيون في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أحسن حالا من الولاة في القرن السابق، فقد كانت الفوضى منتشرة في البلاد، وانتهز بعض أمراء البلاد هذه الفوضى وذلك الضعف فأعلنوا عصيانهم ببلادهم، ومن هؤلاء نفر من المماليك في مصر وطائفة من المتنفذين في الشام، وقد عظم أمر هؤلاء حتى صار الوالي تحت رحمة هؤلاء، يقضي مدته القصيرة وهو كالسجين في القلعة ولا هم له سوى أن يأخذ جامكيته ويجمع الأموال من كل طرق يستطيعها.
ومن أعظم الأمراء الذين نجموا في هذا العصر بمصر علي بك الكبير الذي كان يرى أن دخول العثمانيين إلى مصر والشام دخول ظالم، وأنه لا بد أن ينقذ البلاد منهم، واتفق مع الشيخ ضاهر العمر أمير عكا على العصيان والثورة، فوجهت الدولة العثمانية إليهما جيشا عظيما استطاعا أن يتغلبا عليه، ولما ظفر علي بك الكبير بالجيش العثماني طمع في التوسع ففتح اليمن وجدة ومكة وأكثر الجزيرة العربية، ثم في سنة 1185ه أرسل قائده محمد بك أبا الذهب على رأس حملة إلى بلاد الشام؛ فاستولى على غزة ونابلس والقدس ويافا، ثم حاصر دمشق وتركها دون أن يدخلها؛ لأن الأتراك استطاعوا أن يستميلوا أبا الذهب، فترك الديار الشامية وترك حليفه الشيخ ضاهر العمر يقاوم وحده، فكتب الشيخ ضاهر إلى علي بك يخبره بخيانته بعد أن كاد يملك القطر الشامي، ثم ما لبث أن مات علي بك وسيطر أبو الذهب على مصر وعادت سلطة العثمانيين على مصر من جديد، وظلت مصر تقاسي الويلات في الإدارة والفوضى حتى جاءها الفرنسيون وعلى رأسهم نابليون بونابرت سنة 1212ه، ولما فتحت مصر رأى نابليون أن البلاد جزء لا يتجزأ من مصر، وأن ملك مصر لا بد له من السيطرة على الشام وعزم على ذلك.
قال الأستاذ كرد علي: ولما شعر نابليون باجتماع الجيوش لمحاربته وأنه إن لم يفاجئ الدولة العلية في بلاد الشام قبل أن تتم استعداداتها الحربية؛ تكون عواقب الأمور وخيمة عليه، وأن من يحتل مصر لا يكون آمنا عليها إلا إذا احتل القطر السوري، فلهذه الدواعي عزم نابليون على فتح بلاد الشام، وقام من مصر ومعه ثلاثة عشر ألف مقاتل قاصدا الشام من طريق العريش فاحتل حيفا ويافا، ولما علم أحمد باشا الجزار أمير عكا بذلك حصن مدينته وجمع جموعه، فذهب إلى نابليون، وكانت كسرة نابليون الفظيعة، فرجع إلى مصر، ولم يبق فيها طويلا حتى اضطرته الأحوال في فرنسا إلى العودة، فترك الشرق وهو مؤمن بإخفاقه في محاولته.
ولما غادر نابليون البلاد استاء زميله كليبر من مغادرته، فكتب إلى الحكومة المركزية الفرنسية تقريرا وصف فيه سوء حال الفرنسيين في الشرق، وطلب موافقته على المفاوضات مع العثمانيين للجلاء عن مصر، ثم فاوض العثمانيين على الانسحاب، ولما كاد الانسحاب يتم وقعت الثورة في مصر وقتل كليبر في سنة 1800م، وخرج الفرنسيون من مصر بعد أن بقوا فيها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، ولم يكن لهذه الحملة الفرنسية أثر يذكر في بلاد الشام. أما في بلاد مصر فقد أثرت آثارا قيمة، وكان لها نتائج طيبة من الناحية العلمية والأدبية والاقتصادية كما سنرى، ومنذ هذا العهد أخذت مصر تتطور تطورا عجيبا قويا وسريعا، فقد تنبهت أذهان أبنائها بعد أن كانوا في سبات عميق بمعزل عن العالم المتمدن، حالهم كحال بقية الولايات العثمانية في التأخر السياسي والاجتماعي والعلمي، وقد كان للفرنسيين الذين صحبوا الحملة الفرنسية - مثل «مونغ» الرياضي، و«له به ر» المهندس، و«كونته» العبقري المخترع - أعظم أثر في تنبيه أذهان الجيل المصري الجديد.
Bilinmeyen sayfa