وكان من حسن حظ هيركوف أن فكر في إحراز قزم يهديه للملك الصغير، ليضمه إلى لعبه الخشبية، ولما سمع الملك الطفل عن هذا القزم سر سرورا عظيما، وقد كان مجرد التفكير فيه يدخل لقلبه سرورا يصغر بجانبه سروره بالكنز العظيم الآتي إليه مع القزم.
وأمر بكتابة خطاب لهيركوف، يظهر فيه سروره وإعجابه، ويطلب منه أن يعتني بالقزم اعتناء عظيما؛ حتى لا يصيبه ضر أو سوء.
والخطاب بما فيه من جمل غريبة، لا يختلف عن أي خطاب يكتبه طفل ينتظر لعبة جديدة. كتب فرعون الصغير: «ترغب جلالتي في امتلاك هذا القزم أكثر من جزية بلاد بنت، وإذا أحضرته إلى القصر سليما، فسيجزيك جلالتي خيرا مما جزى الملك أسا مستشاره بورديد» (وهذا المستشار هو الذي أحضر القزم في الأيام القديمة).
ثم أرسل الملك أناسا يوافونه بالأخبار عن القزم، بعد أن أمرهم بحراسته.
فكانوا يسهرون أمام الغرفة التي ينام فيها، وينظرون إلى وجهه عشر مرات ليتأكدوا من وجوده حيا سليما. ولا شك أن القزم قد كابد آلاما كثيرة من هذه المراقبة، فكيف يذوق الراحة مثلا إذا كانوا يوقظونه عشر مرات ليلا ليتأكدوا أنه حي يرزق ، وأنه سليم معافى؛ لربما كان الخطر الذي يهدد حياته من شدة عنايتهم به أعظم مما ينجم لو ترك لنفسه! وعلى كل حال، فقد وصل هيركوف سليما ومعه القزم، ولا ريب أن القزم كان أحسن من جميع لعب الملك، كما كان أحبها إلى نفسه.
ويعجب الإنسان؛ كيف كانت حال القزم وهو يشاهد المدن المصرية العظيمة بقصورها الشاهقة؟ وهل لم يحن يوما إلى حريته الكاملة في موطنه؟
وقد بلغ افتخار هيركوف برسالة الملك أن أمر بنقشها على جدران قبره حرفا حرفا، ويمكن قراءتها إلى اليوم، وهي تخبرنا عن أول حملة استكشافية ذهبت إلى السودان، وتدلنا بذلك على قدم عهد رواية استكشاف القارة المظلمة، كما تدلنا على أن الطفل طفل دائما، ولو عاش قبل الآن بآلاف السنين وكان على عرش مملكة عظيمة.
الفصل العاشر
رحلة استكشافية
منذ 3500 سنة، حكمت مصر ملكة عظيمة، ولم يكن ذلك مألوفا في مصر، ولو أن النساء كن موضع الاحترام والتجلة دائما؛ فقد كانوا يجلون أم الملك، ويضعونها في منزلة تماثل منزلة أبي الملك احتراما وتعظيما.
Bilinmeyen sayfa