Mısır'dan Nasır'a Kadar Savaş
مصر من ناصر إلى حرب
Türler
كان ناصر أيضا لا يحب أن يعارضه أحد، لكنه كان يسمح بالجدل على نحو ودي. في مارس من عام 1970م كلفت بالذهاب لمقابلة ناصر في مهمة شديدة الحساسية؛ أن أحاول إقناعه بوقف إطلاق النار، الذي كان دائرا بعنف من جانب المصريين في الفترة التي عرفت آنذاك ب «حرب الاستنزاف». لم يتكبد الإسرائيليون في الواقع أية خسائر من جراء هذا الإسراف الهائل في قصف القنابل من جانب المصريين، في الوقت الذي كانوا يتعرضون فيه هم أنفسهم لضربات شديدة من الطيران الإسرائيلي في العمق، حيث كان المصريون قد بدءوا لتوهم بفضل الدعم السوفييتي في حمايته. وحتى يستمر العمل في بناء هذه المواقع الدفاعية، وكذلك لصالح الجيش المصري نفسه، كان من الأنسب وقف هذا القصف غير الرشيد. لكن أحدا لم يكن بإمكانه أن يبلغ ناصرا بذلك. كذلك كانت لدي قضية أخرى معقدة للغاية تلخصت في محاولة إقناع ناصر بالموافقة على عدد من الصياغات الخاصة بالشروط النهائية لإحلال السلام عند التوصل إلى تسوية شاملة لمشكلة الشرق الأوسط، التي كنا نتفاوض آنذاك بشأنها مع الأمريكيين، وهي صياغات كان من الصعوبة بمكان أن يقبلها ناصر. لم يكن من السهل على أندريه جروميكو أن يقول لي وهو يوصيني قبل السفر، إنني إذا أنجزت مهمتي ولو بنسبة 10٪ فإن ذلك يعد إنجازا طيبا.
ولقد أنجزت المهمة على نحو تام. وافق ناصر على وقف إطلاق النار، فضلا عن موافقته على الصياغات الخاصة بإحلال السلام عند تحقيق المرحلة الأولى من انسحاب القوات الإسرائيلية؛ أي بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية، بطبيعة الحال، بصفة نهائية خلال مدة زمنية قصيرة نسبيا. وقد تضمنت صياغة الاتفاق النهائي للسلام عدم السماح بقيام مصر بأية عمليات عدوانية ضد إسرائيل في حالة التسوية النهائية مع التزام إسرائيل، بالطبع بنفس الشروط بالنسبة لمصر، وهلم جرا. كانت مباحثاتي مع ناصر على قدر كبير من الأهمية والصعوبة، لكنني لست بصدد الحديث عن هذا الأمر الآن.
إبان محادثاتي مع ناصر اضطررت للدخول معه في جدال. لا أعرف إن كان هو الذي استفزني إلى ذلك أو أنه كان يسعى لعرض أفكاره الحقيقية. ظل يطور فكرته بشأن أن الصراع في الشرق الأوسط ليس صراعا بين العرب وإسرائيل، وإنما هو في واقع الأمر صراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وكأن الصراع العربي الإسرائيلي ما هو إلا نتاج لهذا الصراع الأساسي.
بطبيعة الحال فإن قبول هذه الفكرة كان سينتهي بنا إلى استنتاجات خاطئة، ليس فقط على المستوى النظري، وإنما بشكل مضاعف من الناحية العملية. قلت لناصر إنني لا أتفق معه على هذا الرأي. نظر إلي ناصر بدهشة وقال: «كيف إذن؟!» واقترح علي أن أواصل التعبير عن فكرتي. أنصت باهتمام إلى حججي، وحاول أن يطرح بدوره بعض التصورات الإضافية، ولكنه في نهاية الأمر وافق على أن الصراع العربي الإسرائيلي إنما يعكس الصراع بين التحرر الوطني والقوى الاستعمارية والاحتلال، وأن الاتحاد السوفييتي لا يستطيع إلا أن يقف في هذا الصراع إلى جانب قوي التحرر الوطني، بينما تقف الولايات المتحدة إلى جانب القوى الرجعية؛ إسرائيل.
أذكر أنني عارضت ناصرا ذات مرة في موضوع آخر يتعلق بقيمة «حرب الاستنزاف» التي كانت تشنها مصر آنذاك. وعلى الرغم من أن مثل هذه الموضوعات كانت تجد معارضة جذرية من جانبه، فإنه لم يكن ليرفض الدخول في جدل بشأنها، جدل ودي مع شخصية متواضعة
1
مثلي. فيما بعد أخبرني بعض المقربين من ناصر أنه كان راضيا لكون الحديث بيننا اتخذ طابع الجدل. كان ناصر شخصيا لا يحب، بالطبع، أن يعارضه أحد، وإنما يعضده؛ فالمعارضة كانت تثير استياءه.
كثيرا ما أتذكر وأنا أتعامل مع السادات، كيف كان ناصر ذا طابع مختلف تماما.
هل يمكن اعتبار السادات رجلا صريحا؟ أظن أنه لم يكن كذلك. كان السادات يصوغ موقفه، أو مطالبه، أو آراءه بحيث تبدو صحيحة، ولكي تصبح مقبولة؛ ولهذا كان يولي اهتماما كبيرا لصياغتها لكي تترك الانطباع المطلوب. كان باستطاعته أن يقول بطريقة مميزة: «والآن سأقول لكم ما لا تعرفونه.» وعلى الرغم أن ما سيقوله يمكن أن يكون معلومات سرية، فإنها تكون في الأغلب من النوع الذي يمكن معرفته بسهولة. وفي غالب هذه الحالات كنت على علم بهذه المعلومات، ولكنني لم أكن لأفصح بطبيعة الحال عن ذلك.
ومن الأمور التي كانت تلفت انتباهي أيضا بشدة، أن السادات كان يقيس تصرفاته أحيانا بتصرفات «شخصيات فذة»، من بينها، من وجهة نظر السادات، ستالين وتشرشل. لا أعرف كيف كان يتصور تشرشل، لكن معرفته بستالين كانت مغلوطة ومحدودة. وكثيرا ما كان يقول لي إن ستالين فعل كذا في الموقف الفلاني، ولم يفعل كذا في موقف آخر. كان معجبا بموقف ستالين إبان معركة موسكو. وفي الوقت نفسه وفي اليوم التالي لاعتقاله الناصريين في مايو 1971م كان شاحبا، مضطربا بشكل كبير وهو يقص علي حكاية قالها لي من قبل، لكنه راح لسبب ما يؤكدها لي مرة أخرى محاولا إثبات صحة ما قام به تجاه الناصريين، وهي أن ستالين أعدم، من أجل «القضية»، نصف أعضاء اللجنة المركزية رميا بالرصاص. كنت مضطرا أحيانا لمقاطعة الرئيس وأن أطلب منه، بأسلوب لائق بالطبع، ألا يردد ما سمعه في مكان ما من شخص ما.
Bilinmeyen sayfa