Mısır'dan Nasır'a Kadar Savaş
مصر من ناصر إلى حرب
Türler
لقد حاولت، بطبيعة الحال، أن أكون شديد الاهتمام، عطوفا ولطيفا تجاه السادات. أسرعت إلى السفارة حتى أستطيع أن أبلغ موسكو على وجه السرعة بهذا الطلب. ومرة أخرى كان علي أن أعود سريعا لمقابلة الرئيس لأشرح له عددا من التفاصيل المهمة. عندما هاتفت الرئيس أجابوني بأنه نائم! كنت متوترا بشدة؛ إنهم مستيقظون الآن في موسكو والرئيس هنا ينام في هدوء! رفض الياور أن يوقظ الرئيس، لكنني كنت مصرا وأخبرتهم أن الأمر عاجل للغاية.
وصلت إليه مع خيوط الشمس الأولى. خرج إلي من غرفة نومه في روب وردي اللون. كان قد أخذ قسطا وفيرا من الراحة. بدا منتعشا لا يبدو على وجهه أي أثر يشي بالكارثة التي تكبدها بالفعل. بل إنه كان مرحا يفيض بحيوية. وافق على كل ما اقترحته عليه وما طلبته منه. كان من الواضح أن الحرب قد انتهت بالنسبة له، وأن على الآخرين أن يصلحوا ما أفسده هو.
والآن، أعود بذاكرتي أيضا إلى العناد الذي أبداه السادات عند لقائه بألكسي كوسيجين عندما حضر إلى القاهرة في السابع عشر من أكتوبر إبان العمليات العسكرية؛ لكي يقنع الرئيس بضرورة العمل على وقف إطلاق النار واستغلال الوضع العسكري والسياسي الجيد الذي تحقق بعد الأيام الأولى من الحرب. لكن السادات بحكم شخصيته، وربما، بناء على حساباته، عارض هذا الاقتراح، بل وقال بلهجة أكثر ثقة إننا نريد أن نحرمه من النصر. باختصار، كان يتصرف كأن الثغرة التي أحدثها الإسرائيليون غير موجودة، وكأن القوات المصرية تقف عند حوائط القدس! لا شك أن السادات لا يتذكر الآن هذا الحديث الذي ظل خلاله متشبثا بطلب «ضمانات» سوفييتية أمريكية لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة كافة.
لم ألتق بالسادات بعد ذلك. كانت المرة الأخيرة التي تقابلنا فيها في الحادي عشر من نوفمبر 1973م، عندما راح يحاول أن يستكمل ما بدأه في علاقاته بالأمريكيين وانعطافه الحاد في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية. كان واضحا أنه قد أدرك أنه لن يجد لحظة أكثر مؤاتاة من هذه اللحظة، بعد أن بلغت هيبة الاتحاد السوفييتي في مصر وفي البلاد العربية الأخرى ذروتها، في تلك الظروف التي لم يعلن فيها بعد عن الدور النبيل الذي قام به الاتحاد السوفييتي في الحرب التي خاضتها مصر في أكتوبر! ما الذي كان ينبغي أن يحدث بعد ذلك؟ كان عليه أن يذكر الحقيقة. لكن السادات قرر عمدا أن يهيل التراب على هذه العلاقة. ودون أن يحيط الاتحاد السوفييتي علما، حول دفته باتجاه الولايات المتحدة. أرسل إسماعيل فهمي إلى واشنطن، ثم استقبل كيسينجر بكل حفاوة. وافق على الوساطة الأمريكية وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. امتنع عن إبلاغنا بالمعلومات الخاصة باتصالاته بالولايات المتحدة ... وفي نفس الوقت راح يغرقنا بطلباته حول سرعة إرسال صفقة ضخمة من الطائرات، بل إنه توجه بهذا الطلب تحديدا بعد أن وضعت الحرب أوزارها. ظل يهاتفني يوميا، دون حاجة ماسة لذلك؛ ليكرر على مسامعي النغمة القديمة أن الاتحاد السوفييتي قد غير سياسته نحو مصر، وهلم جرا. وعندما سألته عن السبب الذي يجعلنا نغير سياستنا وقد تفاقمت علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى حد أنها أعلنت حالة التأهب القصوى في جميع قواعدها في الخارج، لم يستطع السادات أن يرد. ببساطة، لم ينبس ببنت شفة.
جاءت بعد ذلك مرحلة التعاون بين السادات والولايات المتحدة الأمريكية. مرحلة التعاون العلني دون تحفظ أمام أعين الجميع، لتبدأ منذ هذه اللحظة الرحلات المكوكية لكيسينجر إلى القاهرة، ثم لتتلوها زيارة نيكسون. لم يكن الأمر ليمر بطبيعة الحال دون التشهير بالاتحاد السوفييتي، ودون سيل من الأكاذيب وأنصاف الحقائق اعتمادا على أننا لم نكن لنخوض على الملأ في جدال مع رئيس مصر بشأن هذه القضايا. وفي هذا السياق، جاءت الافتراءات مباشرة في حق السفير الروسي، الذي زعموا أنه كان ينقل للرئيس معلومات مغلوطة حول الوضع في سوريا، وطلبات الرئيس السوري للقيادة السوفييتية. كان السادات يوجه كل هذه الاتهامات معولا على أن الجماهير العريضة لن تخمن أن أي سفير يقدم للرئيس المعلومات بناء على تفويض من حكومته، وأنه لا يمكنه أبدا اختراع المعلومات. وقد وصل الأمر بعد ذلك إلى حد أن السادات أعلن صراحة أن على مصر أن تعتمد على الولايات المتحدة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط. وقد أخبرني دبلوماسيون يعملون في القاهرة أن الرئيس قرر «أن يضع البيض كله في سلة واحدة»، وأنه بات يتصرف مثل مقامر متهور، وهو في كل ذلك لا يمتلك أي قدر من اللياقة.
على مدى وجودي في القاهرة لمدة أربعة أعوام، بوصفي سفيرا، صادفت، بطبيعة الحال، مواقف شديدة الحرج. لقد تسنى لي أن أرى الرئيس تارة سعيدا وتارة حزينا، تارة صادقا وتارة يقول بهتانا واضحا. رأيته منضبطا، كما رأيته ثملا. رأيته في أحوال شتي، وكنت شاهد عيان على كل المباحثات التي أجراها مع الزعماء السوفييت، شهدت سياسته في تقريب الناس منه، ثم التنكيل بهم بعد ذلك. كان السادات يعرف أن سفارتنا على علم تام بالوضع في البلاد، وأنها على الأرجح تبلغ موسكو بذلك. كان السادات يرى كفاءة السفارة في التعامل مع مختلف القضايا، السياسية والاقتصادية والعسكرية أيضا بدرجة لا تقل عن غيرها من القضايا. وانطلاقا من ذلك كان من الصعب عليه أن يكذب علي أو على الزعماء السوفييت. ولذلك، وبسبب شخصيته، لم تكن سفارتنا تعجبه.
لم تكن علاقته الشخصية بي سيئة، وما يكتبه الصحفيون الأمريكيون في هذا الصدد عني هو محض افتراء من وحي خيالهم، وباستثناء هذا الحديث، الذي دار بيننا عندما أبلغني بلهجة مهينة عن قراره بطرد العسكريين السوفييت من مصر، واضطررت آنذاك أن أرد على نحو حازم، وإن ظللت محتفظا بقدر كبير من التماسك وضبط النفس. كانت كل أحاديثي معه ودية، وإن لم يكن السادات، على الأرجح، سعيدا بهذه الأحاديث؛ فالسادات لم يكن بإمكانه أن يبلغني بأية أكاذيب عن العلاقات السوفييتية المصرية أو عن أية قضايا أخرى. كان يشعر بذلك غريزيا. أزعم، باختصار، أنني كنت أعرف السادات على نحو جيد. بل أقول على نحو غير مسموح به بالنسبة لسفير. ولو كان الرئيس شخصا آخر مختلفا من ناحية التعليم والثقافة، وربما من ناحية الشخصية، لكان من الممكن أن يكون هذا التوصيف من جانب السفير السوفييتي، على العكس من ذلك، مناسبا، ولكن ليس بالنسبة للسادات.
لم يكن السادات يجب التعامل مع السوفييت. ولم أنجح مطلقا، على سبيل المثال، أن أقنعه أن يستقبل ولو لمرة واحدة كبير المستشارين العسكريين السوفييت ليقدم له تقريره. بينما كان ناصر يستقبل العسكريين السوفييت كثيرا، وكان يقدر عن حق قيمة المعلومات التي يقدمونها بصورة ودية مستقلة عن الوضع داخل القوات المسلحة. لم يدل السادات مرة واحدة بحديث للصحفيين السوفييت، مع أنه كان يستقبل برضا تام الصحفيين والمراسلين الغربيين وخاصة الأمريكيين.
سوف أتعرض فيما يلي بالحديث قليلا عن الصفات الشخصية للرئيس. يتضح من محاولاتنا السابقة لرسم صورة السادات الرئيسية إلى أي حد من الصعوبة يمكن التعامل مع زعيم من هذا الطراز. كان السادات يتعامل مع الأمور بسطحية شديدة عندما يتحدث عن مصالح الشعب، بينما يتغاضى عن الحديث عن أعداء الشعب العمال الممثلين في البرجوازية المصرية. وكان يحاول أن يجمع بين أمرين متناقضين في آن واحد، وهو تصرف غير مأمون العواقب؛ ولذلك كان يسعى لتحقيق أمانه الشخصي قدر استطاعته.
4
Bilinmeyen sayfa