Mısır'dan Nasır'a Kadar Savaş
مصر من ناصر إلى حرب
Türler
صحت قائلا: «ولكن هذا لم يكن من الممكن أن يصدر عني.»
أجاب هيكل: «أنت على حق، لكن معرفتك بالسادات قليلة. لقد كان يود أن يرى فيك متآمرا، عندئذ كان الأمر سيبدو له مفهوما، بالإضافة إلى أن خطاب سامي شرف، على الرغم من عبثية ما به من اتهامات، قد ترك أثرا في مكان ما من تفكير الرئيس.»
عندما أذعت فيما بعد هذه القصة بكلمات أخرى، مضيفا إليها، إذا جاز التعبير، بعض التصرف. أدركت أن السادات كان بحاجة ماسة إلى معلومات تسيء إلى سمعة الاتحاد السوفييتي. كان عليه أن يثبت بأي وسيلة من الوسائل أن الاتحاد السوفييتي يقف ضده، بينما يقف وراء «المتآمرين»، بحيث تصبح يداه مطلقة عندئذ للدخول في أي مناورات مع الأمريكيين.
بعد اعتقال «المتآمرين» كان السادات حريصا بشكل واضح على بقاء العلاقات مع الاتحاد السوفييتي فاترة، وكانت هذه الفترة تمثل بداية اتصالاته مع الرئيس الأمريكي، وتقدم الأمريكيين النشط بطلب إبعاد «الوجود السوفييتي» باعتباره «ثمنا» للخطوات الممكنة للولايات المتحدة الأمريكية في مجال تسوية قضية الشرق الأوسط.
على أن الاتحاد السوفييتي كان قد قطع شوطا مهما في مسيرته الدبلوماسية والسياسية الصحيحة. ولم يعد السادات هو قضيته، وإنما مصير مصر - أكبر دولة عربية - ومصير شعبها، وما تم إنجازه من إصلاحات تقدمية. كانت القوى الرجعية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تترقب أن يصيب الضعف والوهن الاتحاد السوفييتي بمصر.
بعد أحداث مايو، أكد لي السادات إبان أحاديثه معي على رغبته في التشاور مع أحد الزعماء السوفييت، على أن تجرى المباحثات في القاهرة، ولم يكن ذلك إلا بهدف التمويه على مخططاته. كان السادات يعتمد، بشكل واضح، على أن الزعماء السوفييت، بعد الأحداث التي اعتبرها العالم أعمالا عدائية للاتحاد السوفييتي، سوف يحجمون عن الحضور إلى القاهرة انطلاقا من إحساسهم بالإهانة. لم يكن بمقدوري بالطبع سوى أن أكتفي بأن أعده بنقل رغبته إلى موسكو، وفي هذا السياق نوهت إلى أنه سيكون من الصعوبة بمكان، بطبيعة الحال، اتخاذ قرار سريع في هذه القضية، وأن الأمر سيتطلب بعض الوقت للتفكير. ولما كان السادات يتوقع أن موسكو لن ترد على طلبه على الفور، بدأ في الحديث معي مبديا اقتناعه بصحة حساباتي، ثم قال إنه لا مانع لديه من عقد معاهدة الصداقة التي كان ناصر قد طرحها، وكان ناصر قد طلب آنذاك قبول مصر كما لو كانت إحدى دول معاهدة حلف وارسو، وأن يتعامل الاتحاد السوفييتي مع مصر باعتبارها من الدول الاشتراكية، وهنا أيضا كان السادات يعول على رفضنا.
لكن القرار الذي اتخذته موسكو جاء على عكس ما توقع السادات. لقد جاء إلى القاهرة أندريه جروميكو ليبلغ السادات أن رغباته في عقد معاهدة للصداقة والتعاون قد تمت الاستجابة لها! كانت ضربة للسادات الذي لم يكن يتوقع مثل هذه الخطوة. في البداية بدأ في الحديث عن أن من الأفضل الانتظار بعض الوقت، ولكنه حين أدرك أن مناوراته باتت مكشوفة تظاهر وكأن «شيئا لم يحدث»، وطلب فسحة من الوقت للتشاور مع رفاقه الجدد، ثم وافق. أذكر جيدا عندما رافقته بعد المباحثات هبطنا بالمصعد الصغير أنا وهو بعد المقابلة مع الوفد السوفييتي. كان السادات ممسكا بمشروع المعاهدة الذي تسلمه للتو، وكانت الوثيقة مطوية على هيئة أنبوب. كانت عيناه تنظران إلى بعيد وكأنما تريان شيئا لا نراه. لفت انتباهه إلى الوثيقة إذ كان من الممكن أن يلتقي في الأسفل بالمراسلين، عندئذ سارع السادات على عجل بدسها في جيبه الداخلي.
وعلى الرغم من أن المعاهدة قد تم عقدها بناء على طلب السادات، بل وبإصرار منه في الواقع، فإن ذلك لم يمنعه من أن يعلن فيما بعد أن المعاهدة فرضت عليه مقابل وعده بإرسال قاذفات بعيدة المدى! بل تحدث على نحو مباشر قائلا: إن الروس يزعمون أنهم يخشون أن يلجأ للأمريكيين؛ ولهذا قرروا أن يربطوه بهذه المعاهدة. حسنا، فليفسروا الأمر كما يحلو لهم؛ فالمعاهدة مثلت على أية حال ضربة كبرى للخطط الأمريكية للاستحواذ على مصر في عام 1971م.
قبيل نهاية عام 1971م تبين استحالة تزويد مصر بكل الطائرات من طراز ميج-21 التي تم الاتفاق عليها وذلك لأسباب فنية، وعلى الفور عاد السادات من جديد إلى النغمة القديمة حول عدم الثقة، واشتد أوار الشك لديه، وراح يبحث كسابق عهده عن حجة لإضعاف العلاقات. وهنا جرت وقائع عديدة تحمل طابعا استفزازيا تجاه العسكريين السوفييت، وانتشرت الحملات الإعلامية وازدادت المماحكات فيما يتعلق بقضايا العلاقات الاقتصادية وفي غيرها من القضايا. كانت حياتنا في مصر يكتنفها دائما القلق والمخاوف، مما يتطلب اتخاذ الحيطة واليقظة المستمرين؛ فكما نتوقع دائما استفزازات جديدة، كنا مضطرين طوال الوقت إلى التفكير في كيفية تلافي ما يمكن اتخاذه ذريعة ضدنا، وفي هذا الوقت كان عدد ما يمكن أن نسميهم بالجالية السوفييتية قد بلغ ما يزيد على خمسة عشر ألف نسمة بما فيهم العسكريون.
في صيف عام 1972م، كان قرار السادات بالاستغناء عن خدمات الخبراء العسكريين السوفييت، وقد تم اتخاذ قرار إجلائهم على وجه السرعة بصورة مهينة بالنسبة لنا، وهو ما كان يتفق تماما وشخصية السادات. يمكن التأكيد بشجاعة أن ناصرا لم يكن ليتخذ مثل هذا القرار إطلاقا، وحتى إذا ما رأى في ذلك ضرورة ما، لفعله كما ينبغي بين حليفين وليس بين خصمين. أما السادات فقد تعامل مع الأمر كما لو كنا نحن الذين فرضنا العسكريين السوفييت على مصر قسرا، على الرغم من أن السادات كان يعلم جيدا كم من الجهد بذله ناصر من أجل إقناع الزعماء السوفييت باتخاذ قرار إرسال الخبراء العسكريين السوفييت إلى مصر في فبراير عام 1970م.
Bilinmeyen sayfa