Mısır'dan Nasır'a Kadar Savaş
مصر من ناصر إلى حرب
Türler
في كثير من هذه الأحوال، التي كان الحديث يدور فيها بيني وبين السادات في أي من القضايا المرتبطة بالاقتصاد أو التكنولوجيا، كان عزيز صدقي ينصحني بألا أحاول أن أشرح للسادات هذه القضايا، وخصوصا إذا كان النقاش سيؤدي إلى نتيجة يرى السادات أنها غير مرضية له، وطلب مني أن أخبره عندئذ بكل ما يتعلق بالأمر، وقال لي إنه سيجد الوسيلة والطريقة المناسبة ليعرض المسألة على السادات بحيث يتجنب إثارة أي رد فعل سلبي سريع من جانبه لسنا بحاجة إليه، وطلب أن أبلغ السادات في هذه الأحوال أن هذه القضايا سوف يتم عرضها على صدقي الذي سيقوم بدراستها.
وحتى في الأمور العسكرية كان كثيرا ما يغلب عليها الارتباك؛ وذلك لأن السادات كان يعتبر نفسه خبيرا في شئونها؛ فعلى سبيل المثال، طلب السادات، إبان حرب أكتوبر، أن يرسل الاتحاد السوفييتي لمصر دبابات من طراز تي-61 الثقيلة بالطائرات، كما طلب إرسال الجسور العائمة بالطائرات!
كثيرا ما راح المقربون إليه يخدعونه ويدسون له معلومات خاطئة حول وضع الإمدادات العسكرية، وكثيرا ما راحوا «يؤكدون» له أن قطع الغيار العسكرية غير كافية لدى مصر، على الرغم من أنها كانت ضخمة إلى حد أنه كان من الصعب أحيانا تخزينها. كانوا يقترحون عليه التقدم بطلبات للحصول على معدات عسكرية تتجاوز الإنتاج السنوي لها في بلادنا؛ أي إنهم كانوا ببساطة جهلة لا يفقهون شيئا. أما السادات فراح، مذعنا لهم، يكرر ما يقولونه في اللقاءات التي كانت تتم على أعلى مستوى، وعندما يقابل بالرفض، يرفض تصديق ما يقدم له من مبررات، معتقدا أن في ذلك إهانة له، وأنهم لا يثقون فيه.
عموما فقد كانت قضية الثقة إلى جانب قضايا توريد المعدات العسكرية تشكل الموضوع الرئيسي في أحاديث السادات معي، ودائما ما كان يتناول في كل لقاء يجمعني به قضية التوريدات العسكرية، وكذلك اتخذ موضوع زعمه أنهم في الاتحاد السوفييتي لا يثقون فيه مكانة بارزة في أحاديثنا. ويصعب القول هنا ما الذي كان يعنيه تماما بذلك؛ فقد كان هو نفسه يعرف تماما أننا نعلم بعض الشيء، إن لم نكن نعلم كثيرا، عما يدور في ذهنه بالنسبة لعلاقته بالاتحاد السوفييتي، وعن خطواته التي يتخذها تجاه الأمريكيين، وأخيرا عن تصرفاته غير اللائقة تجاه الزعماء السوفييت. وكان هو يدرك بالطبع أن أحدا في مثل هذه الظروف لا يمكنه الآن أو في المستقبل أن يوليه ثقته. وعلى أية حال ، إذا كانت هناك أزمة ثقة في هذا النوع من العلاقات، فإنها لم تكن بطبيعة الحال على هذا النحو الدراماتيكي الذي كان السادات يحاول طول الوقت أن يصورها عليه.
كان السادات نفسه يدرك أنه ليس مخلصا في علاقته بالاتحاد السوفييتي، وفي هذا الظرف تحديدا كان دائم الشكوى كونهم في الاتحاد السوفييتي لا يثقون فيه، مستندا إلى أن الاتحاد السوفييتي سوف يرد على طلباته بطبيعة الحال بالرفض، وهو ما كان يسعي إليه فحسب. يرى السادات أنه سوف يتلقى «تأكيدا» أنهم «يثقون» فيه، وهو ما يعني أنه يستطيع مرة أخرى أن يتهمنا بأننا لا نثق فيه. يبدو الأمر غريبا، لكن هذا هو المنطق الخاص بسلوكه الذي يعرف، إذا جاز التعبير، باسم «المنطق الشرقي».
وبالإضافة إلى ذلك، كان هذا الرجل الشكاك متآمرا بطبعه. وقد كان السادات يظهر هذه السمة فيه كاملة تجاه الاتحاد السوفييتي، ولم يكن يتصور أن الاتحاد السوفييتي يمكنه أن يفي بشرف بالتزاماته مهما كانت صعوبتها عليه. لم يكن ليثق أن الاتحاد السوفييتي لن يلجأ «للتآمر» مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما وعدته بسرعة حلول عصر عدم المواجهة معه. لم يكن يصدقنا في شيء. لم يكن السادات نفسه يثق في، فضلا عن أن يصدقني، مؤكدا على شكوك الاتحاد السوفييتي تجاهه هو.
كان سعيدا دون شك أن وفدا سوفييتيا جاء لتمثيل بلادنا في جنازة ناصر، وأن الاتحاد السوفييتي فعليا أيده عندما حسمت قضية من هو رئيس مصر. في تلك الأيام كان الرئيس صريحا وأعلن صداقته علنا أمام الجميع. وبالمناسبة فقد أعرب في نفس هذه الفترة عن رضائه التام لتعييني سفيرا لدى القاهرة، وأسرع مؤكدا على رغبته في مقابلتي مرة كل أسبوع على الأقل على نحو منتظم «أيام الإثنين» (!). في تلك المناسبة لم يبتعد السادات دقيقة واحدة عن ألكسي كوسيجين إبان الجنازة، متأبطا ذراعه أثناء سيرهما في الصف الأول للمشاركين في مراسم العزاء.
وها هو يقوم بزيارته الأولى إلى موسكو في مطلع أبريل 1971م، والتي عرفت باسم «الزيارة السرية». وهذه الزيارة تستحق أن نتحدث عنها تفصيلا؛ إذ حددت شكل علاقة السادات بالاتحاد السوفييتي.
بحلول ربيع عام 1971م، أصبح السادات أكثر إلحاحا في طلب السلاح، فضلا عن أنه كان دائما ما يصف الوضع العسكري للجيش المصري بشكل سلبي، فكان يقول إنه لا يملك كذا وكذا، وإنه ليس لديه قطع غيار، وهلم جرا. كان كل شيء يبدو وكأن ناصرا خلف وراءه جيشا غير مجهز، وهو أمر لا يتفق بالطبع والواقع. لقد جرت المبالغة في هذا الأمر، الذي وجد مناخا مهيأ له بشكل جيد؛ إذ كان السادات قد قرر أن يجعل من هذا الأمر قضيته الأساسية في علاقاته بالاتحاد السوفييتي، ومن أجل أن يمارس ضغطا أكبر، ويضفي على الموقف وضعا دراميا، إذا جاز التعبير. توجه إلينا بطلب استضافته في موسكو في «زيارة سرية». لا أعرف لماذا كان بحاجة إلى زيارة سرية، ربما لتصبح «زيارته السرية» معادلا للزيارة السرية التي قام بها ناصر إلى الاتحاد السوفييتي في فبراير عام 1970م، وهي الزيارة التي أسفرت عن حصول مصر بالفعل على منصات صواريخ مضادة للطائرات. آنذاك نجح ناصر بصعوبة بالغة في الحصول على هذه المنصات، لكن الأكثر صعوبة كان إقناع القيادة السوفييتية بإرسال أطقم سوفييتية لفترة مؤقتة إلى مصر للعمل على منصات الصواريخ المضادة للطائرات، والتي كان من الضرورة بمكان أن تكون موجودة على الجبهة لحين إعداد الصفقات التي تعاقدت عليها مصر مع الاتحاد السوفييتي.
تمت الموافقة على قيام السادات بهذه الرحلة «السرية». ومن جانبنا اتخذت كل الإجراءات لكي تكون الزيارة ذات طابع «سري» بالفعل (على أنه بعد شهر أو شهرين اتضح أن السادات قد أضر الجميع بهذه «الزيارة السرية»).
Bilinmeyen sayfa