Mısır Hidivi İsmail Dönemi
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Türler
وبعد أن استجلى من موقفه السامي جمال المناظر المبسوطة تحت قدميه، دخل إلى مخادعه ونام نوما هادئا هنيئا.
وكان الغد يوم جمعة، فتقرر أن يصلي الخليفة صلاته الجامعة في مسجد (محمد علي) بالقلعة عينها، وأن يذهب إليه من السراي التي بات فيها راكبا على جواد مطهم في موكب يكون كل من فيه فارسا.
فلما آذنت ساعة الصلاة، امتطى عبد العزيز الحصان الذي قدم له؛ واقتدى به أمراء بيته السلطاني وأمراء البيت العلوي والوزراء العثمانيون والمصريون وكبار رجال المابين والمعية، وكوكبة من الفرسان، وسار جمعهم في موكبهم الحافل المهيب، داخل القلعة، من السراي إلى الساحة الفسيحة الأرجاء المنبسطة أمام مسجد (محمد علي) حيث كانت جميع الأعالي المحيطة، المطلة على تلك الساحة، غاصة بالمتفرجين، وداوية بدعائهم.
وبعد أن انقضت الصلاة، توجه السلطان إلى زيارة قبر الباشا العظيم، الراقد رقدته الأبدية، في ذلك الجامع المرمري البناء، المطل من علاه على القاهرة كلها، كأنه روح (محمد علي) تشرف على جسم القطر الذي أعادت إليه الحياة، لتتعهده وترعاه.
فوقف إليه، برهة، خاشعا، ثم التفت إلى من حوله وقال على مسمع من الملأ: «لقد كان رجلا عظيما، وإن ذكره ليخلد».
ثم عاد إلى سراي القلعة حيث استقبله وفود المهنئين من الأعاظم والعلماء والبطاركة والرؤساء الروحانيين، والوجهاء والأعيان والتجار، ولكي يظهر لهم بجملة واحدة مقدار انشراحه من زيارته للقطر المصري، قال لهم: «إني ضيف إسماعيل وضيفكم»، فكان لقوله هذا وقع عظيم في القلوب؛ لأنه كان بمثابة إعلان رسمي لاستقلال مصر!
لذلك كانت الزينات، التي أقيمت في مساء ذلك اليوم، أجمل بكثير من زينات الليلة السابقة، وكان أبدعها شكلا ما أقيم منها أمام قصري (إسماعيل باشا) وحليم باشا وسراي عابدين، وبلغ من تفنن صانعي الألعاب النارية ومن إعجاب السلطان بها أنه طلب بعضهم من (إسماعيل) ليأخذهم معه إلى القسطنطينية.
ومما يحسن ذكره في مقابلة السلطان للعلماء، اللطيفة الآتية وهي: أن (إسماعيل) كان يعتقد في علماء الأزهر الأجلاء عدم خبرة ودراية بواجبات الرسميات في موقف كهذا - وكان هذا هو الواقع - فحسن لديه أن يختار أربعة منهم فقط ليتشرفوا بالمثول بين يدي الحضرة السلطانية، وهم: السيد مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ السقاء، والشيخ عليش، والشيخ العدوي من كبار علمائه، وأولهم وثانيهم من دواهي الرجال وأوسعهم صدرا؛ وثالثهم من المتصوفين؛ وأما الرابع فكان من الورع والتوكل على الله، بحيث لا تهمه ولا ترهبه العظمات البشرية.
ثم وكل إلى قاضي القضاة التركي أمر تعليمهم آداب المثول بين يدي الخليفة، فأفهمهم فضيلته أن المقابلة ستكون في قاعة يقف السلطان في صدرها، على منصة مرتفعة عن الأرض قليلا، بينها وبين باقي القاعة حاجز، مفتوح من وسطه؛ وأنه ينبغي لهم إذا ما بلغوا الباب ووقعت أعينهم على جلالته أن ينحنوا انحناء عظيما، ويسلموا بكلتا اليدين، حتى تمسا الأرض؛ ثم يتقدم كل منهم نحو فتحة الحاجز، بخطوات موزونة حتى إذا صار أمامها، كرر الانحناء والتسليم، ووقف أو يرد السلطان عليه تحيته، فيعيد؛ حينئذ الانحناء والتسليم مرة أخرى، ثم يرجع متقهقرا ووجهه إلى السلطان إلى أن يبلغ باب الدخول؛ فيكرر الانحناء والتسليم عينهما؛ ثم ينصرف مثل ما دخل، حتى يتوارى عن نظر السلطان.
فاستغرب العلماء أن تنحصر المقابلة في تلك الصور من الانحناء والاحترام، ولكن قاضي القضاة أكد لهم أن الأمر كذلك، فقالوا: «قد فهمنا».
Bilinmeyen sayfa