Mısır Hidivi İsmail Dönemi
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Türler
فوجد من لدن عبد العزيز حفاوة فائقة؛ وإكراما جديدا: فإن مدافع الأسطول العثماني أرسلت طلقاتها، مرة أخرى، إجلالا له، وأقبل السلطان عليه، وقلده بيده سيفا مرصعا، كأنه يريد تثبيت توليته الرسمية، عسكريا، ثم أبقاه في ضيافته ساعة وأكثر، أظهر له في خلالها ما ضاعف سروره وزاد إخلاصه.
ثم سار الجميع إلى الزوارق المعدة لهم، فتخلى السلطان عن زورقه الخاص إلى الأمراء حميد ورشاد وعز الدين، وركب هو زورق الوالي بمعية مراد و(إسماعيل).
ونزل الباقون في الزوارق الأخرى، والمدافع تدوي من البحر والبر؛ والموسيقات تصدح؛ والأصوات تضج؛ والدعوات تتعالى، وساروا قاصدين سراي رأس التين العامرة في وسط مظاهر ذلك الاختفاء العام المستمر.
وكان في انتظارهم، أمام باب السراي، فرقة كاملة من الجنود المصرية مصطفة على الرصيف، ومرتدية أفخر ملابسها العسكرية، فرفعت سلاحها حالما مست أقدامهم الأرض المصرية، وقدمت لهم تحيتها العسكرية؛ ونادى جنودها بأعلى أصواتهم، وسلاحهم يتصلصل: «بادشا همز چوق يشا» - وهي التحية التي كانت تدوي الآفاق بها في ذلك اليوم.
وكانت سراي رأس التين قد أعدت إعدادا فخما لنزول الركاب السلطانية فيها.
فوجد عبد العزيز من زخرفها ورياشها والبذخ المنتشر في جميع أثاثها، ومن أسباب الراحة والهناء كلية كانت أم جزئية، المتوفرة في كل جهاتها، ما أوجب إعجابه (بإسماعيل) وضاعف تقديره للثروة المصرية.
وبعد أن استراح، وتناول طعام الغداء - وكان شيئا فاخرا يفوق وصف كل واصف، وقدم باستمرار على مائدتين: إحداهما في السلاملك، للسلطان وأمراء بيته؛ والأخرى في دار الحريم، للحاشية والمعية والمابين؛ ثم استراح ثانية - أخذ يحدق بنظره، من نوافذ السلاملك المفتوحة، بالأعمال المدهشة التي خلقتها إرادة (محمد علي) الباشا العظيم، من العدم؛ ويعجب بها إعجابا عظيما، ثم طلب إلى (إسماعيل باشا) أن يقص عليه كيف تمكن ذلك الجد الكبير من إتمام ما تم على يديه.
فقص عليه (إسماعيل) كيف أن (محمد علي) - في بلد كانت تعوزه كل الوسائل ما عدا يد الإنسان، وكانت كل الآراء فيه مجمعة على معارضة آرائه؛ وسدول الجهل وشبح الهمجية مخيم على ربوعه - قد أنشأ كل تلك المعجزات في أقل من ثمان سنوات، كيف أنه - بعد أن أضاع أكثر من سنة، وأنفق مليونا ونيفا من النقود لإيجاد الترسانة - اتضح له من الأدلة التي أقامها أمامه سريزي بك المهندس الفرنساوي (بالرغم من أنه قدم إلى خدمته مصحوبا بتوصية ضئيلة) أن جميع مجهودات شاكر أفندي رئيس أعماله التركي، لن تجدي نفعا، لمخالفتها للأصول؛ فأوقف حالا سير تقدمها؛ وضرب صفحا عن المبالغ الطائلة التي صرفت سدى وشرع، بدون أدنى إبطاء، في تنفيذ تصميمات ذلك الفرنساوي الحكيم، وكيف أنه - بالرغم من كل الصعوبات القائمة في سبيله - حفر الحوض اللازم لترسانته؛ وأقام المخازن والمعامل فيها وحولها؛ وبنى أسطوله العظيم المؤلف مما يزيد على خمس وثلاثين قطعة مشتملة على أكثر من ألف وخمسمائة مدفع بالرغم من عدم وجود الخشب والحديد لديه، وكيف أنه أوصل ماء النيل إلى الإسكندرية، بحفر ترعة المحمودية التي يرى مصبها أمامه؛ وبحفره إياها بدون آلات ومعاول، بل بمجرد أيدي الفلاحين وأصابعهم، لعدم وجود تلك الآلات والمعاول في البلاد، وكيف أنشأ سراي رأس التين والطوابي الحصينة التي تدرأ عنها وعن الساحل تعديات كل عدو، والتي وضع رسمها وقام بتنفيذها المسيو دي سريزي عينه، وكيف أقام المنارة الشاهقة، هدى للسفن والجاريات، لئلا ترتطم بالصخور القائمة عند مدخل البوغاز.
وقص عليه أيضا كيف تم في عهد عباس، وبالرغم من إرادته، مد خط السكة الحديدية بين الإسكندرية ومصر على يد شركة إنجليزية فكرت في مده حالا بعد النجاز من مد السكة الحديدية بين لندن وليڨربول؛ إذ لم يكن قد مد من ذلك شيء في معظم البلاد الأوروبية الأكثر حضارة.
فارتاحت نفس عبد العزيز إلى أحاديثه وتاقت إلى استعادتها والتوسع فيها، لا سيما فيما كان منها خاصا بالمحمودية والسكة الحديدية؛ لتيقنه من أن الترع والسكك الحديدية، بصفتها أهم طرق المواصلات بين البشر، أهم ما يستطيع حاكم بار برعاياه وملكه الإقبال على الإكثار منها في دائرة بلاده.
Bilinmeyen sayfa