285

Mısır Hidivi İsmail Dönemi

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Türler

وما فتئ يزيد عدد جنوده بالتدريج بين مصريين وسود، حتى استكمل منهم ثمانية عشر آلايا بيادة، منها آلايان سودانيان، في كل آلاي ثلاثة طوابير، وأربعة طوابير بندقيين موزعة على الآلايات، وأربعة آلايات مسلحة بالرمح والقرابين، في كل آلاي ستة كراديس، وأربعة آلايات مدفعية، في كل آلاي ست بطاريات: بطاريتان راكبتان، وأربع بطاريات بيادة، وثلاثة آلايات حاميات مدفعية، وثلاثة طوابير عمال عسكريين، فبلغت قوة الجيش العامل المتدرب - إذا جمعت - ستين ألفا، وبلغ الاحتياطي ثلاثين ألفا، وغير النظامي ستين ألفا، وسلحت البيادة ببنادق ريمنجتن، بعد بنادق شاشپو، وحفظ منها ما أناف على 200 ألف بندقية احتياطيا. أما المدفعية فسلحت بمائة مدفع من مدافع كروپ، وخمسين مدفعا خفيفا من معامل أرمسترونج، وسلحت الحاميات بمدافع وهرندرف 8,10 بوصة، و300 مدفع خفيف، وأنشئت بالقرب من مصر معامل للبارود والخرطوش، فبلغ من كثرة الذخيرة المصنوعة فيها والمستوردة من الخارج أن (إسماعيل) أرسل جانبا منها إلى الأستانة، تبرعا منه ومكرمة.

وجعلت مهمة الجيش في بادئ الأمر، زيادة على المحافظة على الأمن العام، حفظ الحدود من إغارات العربان والحبشان عليها، ثم استعملوه في الفتوحات والاستكشافات والحروب التي سيأتي بيانها.

رأى أيضا أن يقتدي بجده العظيم في الاستعانة بضباط غربيين على تدريب جنوده التدريب العسكري العصري المطلوب، ولكنه - لكيلا تتخذ الدول الأوروبية من ضباطهن الذين قد ينتدبون لتلك المهمة وجها لإيجاد نفوذ لهن على البلاد، أو تنشأ منافسات بينهن إذا فضلت في الطلب إحداهن على الأخرى - عهد بتلك المهمة السامية إلى ضباط أمريكيين من الذين اشتهروا في الحروب الأهلية، فوقع اختياره في الأول على ضابط يقال له «مط»، كان قد حضر إلى القطر لأشغال خاصة به، فانخدع (إسماعيل) فيه وظنه كفأ للمهمة، فكلفه بإحضار ضباط بمعرفته ليقوموا معه بها، ولكنه ما لبث أن تحقق قلة جدارته، فصرفه وأحضر الجنرال ستون مكانه.

14

فجاء هذا بالجنرال لورنج، والكرنيل داي، والميچر لنج، والكرنل جريفر، والضباط كلستن، وريد، وپراوت، والكرنلين پردي وميش، والميچر دنيش، وغيرهم، وبزمرة مختارة من أفاضل الرجال؛ منهم الميكانيكيون والمهندسون الحربيون والجيولوجيون كمتشل، والجغرافيون كلوكت وفيلد وغيرهما. وانكب الجميع على عملهم بهمة شماء وقلوب مخلصة، وكان نظام الجيش وتدريبه وتعليمه على الطريقة الفرنساوية في بادئ الأمر، ولكن بعد انكسار فرنسا في سنة 70 وظهور تفوق التعليم الألماني، أحل هذا محل ذاك، وأخذ الاعتناء بالمدفعية يزيد على الاعتناء بغيرها، فأصبح ضباطها أكفأ من ضباط البيادة والخيالة، ولو أنهم جميعا كانوا بيضا من المصريين والأتراك والشراكسة، حتى ضباط الأورط السودانية.

على أن المصريين الصميمين كانوا أيضا أكفأ من الشراكسة والأتراك، وذلك لأن هؤلاء - وجميعهم من أولاد البكوات والباشوات، الشاغلين مناصب الحكومة الرفيعة، وأصحاب السرايات الفخمة، الغاصة بالجواري والسراري والعبيد - كانوا أولاد بيئة أصلية غير صالحة لجعلهم جنودا ذوي طباع عسكرية صحيحة؛ لأن أول خطواتهم في الحياة كانت داخل دور الحريم، ولما يشبون ويترعرعون، لم يكونوا يقدمون ولا يجبرون على الإقدام على أي تمرين عضلي، فما كان عند بعضهم من قوة في العضلات إنما كان هبة محضة من لدن الطبيعة، وبما أن معظمهم - بحكم بيئتهم - كانوا شديدي الميل إلى الباه، فإن ذات الأقوياء منهم كانوا لا يلبثون بعد حين حتى ينهزلوا ويضعفوا.

نعم إن أهلهم كانوا يرسلونهم منذ تجاوزهم سن الصبوة إلى المدارس الإعدادية ليمكثوا فيها عدة سنوات متتالية، ولكنهم بسبب الترف المحيط بهم، وتدليل أهلهم لهم، قلما كانوا يمتازون على أقرانهم من أولاد الفلاحين والحضريين المصريين بسوى المصروف الكبير والبلادة العظمى، فكانوا ينقلون والحالة هذه إلى المدارس العسكرية عملا بمبدأ تحويل التلامذة البلداء إليها، فيتخرجون منها بعد 4 أو 5 سنوات ضباطا عجرفتهم وخيلاؤهم كبيرتان، على قدر رفعة مولدهم ونبل أحسابهم، ومعلوماتهم قليلة، وآدابهم لا تداني الرفعة، ولا عن بعد، بخلاف أولاد الفلاحين والحضريين المصريين، فإنهم لشظف العيش الذي اعتادوه واعتاده أجدادهم قبلهم، كانوا أقوياء البنية، قنوعي المعيشة، بعيدين - بسبب ضيق ذات أيديهم - عن مسببات الأسقام والضعف، وكانوا يمتازون في المدارس عادة على أقرانهم أولاد الأغنياء بالذكاء والنباهة والاجتهاد، ولكن ذلك لم يكن يجديهم نفعا؛ لأن ذات الداخلين منهم المدارس العسكرية مباشرة كانوا، بسبب مواهبهم هذه عينها، يبقون في دور التعليم سنة زيادة على أقرانهم البلداء، ثم يدخلون الجيش بعد تلك السنة الإضافية في الوظيفة عينها المعطاة إلى زملائهم البلداء قبل سنة. نعم إن الحكومة في السنة الإضافية التي كانوا يمكثونها في المدارس أكثر من زملائهم البلداء كانت في الأول تمنحهم المرتب المربوط لهؤلاء في الجيش، ولكنها قطعته عنهم فيما بعد، وميزت بذلك الأغنياء على المجتهدين المتنورين.

فأصبح أولئك، لهذا ولمميزاتهم البلادية الأخرى، يعتقدون أنفسهم من طينة أرقى من طينة زملائهم أولاد المصريين الصميمين، ولم يكن يرجى تقويم معوجهم، وهم في وظائفهم:

أولا:

لأنه إذا سهل إصلاح ناقص يعرف أنه ناقص، فمن المتعذر كلية إصلاح ناقص يرى نفسه كاملا.

Bilinmeyen sayfa