Mısır Hidivi İsmail Dönemi
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Türler
والذي حمل ذينك المهندسين على وضع مشروعيهما المذكورين، إنما هو الاعتقاد السائد على عقول علماء العالم، قاطبة، بصحة الاختبارات والمباحث التوبوغرافية والأوروغرافية، والهدروغرافية، التي قامت بها لجنة سنة 1798 الفرنساوية تحت إدارة المهندس لپير، والتي أدت بها إلى تقرير علو سطح البحر الأحمر، تسعة أمتار، عن سطح البحر الأبيض، وبالتالي استحالة عمل ترعة مستقيمة واحدة بين البحرين، فتجتاز برزخ السويس الفاصل بينهما، مباشرة.
على أن هذا الاعتقاد لم يكن أثبت قواعد وأركانا من خلافه: لأنه كان كغيره، مبنيا على التسليم بما وصلت إليه مباحث المتقدمين، وما بتت فيه أحكامهم؛ لا على خبرة ومباحث شخصية، فما عتم، والحالة هذه، أن اهتز على قواعده، وأخذت أركانه تنهار في عقول الذين كانوا ممن يأبون أن يقيموا بناء تصديقهم وإيمانهم على المزاعم، ولا يريدون لهما قاعدة سوى درسهم واختبارهم الشخصيين: فإن أخطئوا، فإنما يخطئون، علما؛ وإن أصابوا، فالفخر - وأي فخر - لهم دون سواهم.
فتعينت في سنة 1846، إذا، لجنة مختلطة للنظر في تقرير لپير، وإعادة فحص الموضوع، فحصا أدق من الذي عملته لجنة سنة 1798، وأوسع دائرة، فوالت أعمالها بهمة فائقة وتدقيق لا مزيد عليه؛ وانتهت خاتمة المطاف بها إلى اعتماد رأي المستر ستڨينس المهندس الإنجليزي، فقررت أن فرق الارتفاع، بين سطحي البحرين، لا يعبأ به، وأن عمل ترعة واحدة مستقيمة، تجتاز البرزخ، وتصل بين الأبيض والقلزم أمر، والحالة هذه، مستطاع.
وكان (محمد علي) - لما فرغت تلك اللجنة من أعمالها، وأبرزت نتيجة مباحثها إلى الوجود - قد أشرف على الخرف، وآلت الأحكام في القطر بعد موت (إبراهيم) الهمام ابنه، إلى (عباس الأول)، فضرب بمباحث تلك اللجنة عرض الحائط، وتحول عن فكرة إنشاء «ترعة اتصال دولية» إلى إجراء رصف الطريق، ما بين مصر والسويس الذي كانت تسلكه عربات الترنزيت، بحيث يصبح صالحا لسير كل عربة عليه بسهولة وسرعة، ويتم الاتصال بين العاصمة والقلزم من سبيل أمين، فجعل عرض ذلك الطريق 30 مترا، وسمك رصفه 40 سنتيمترا ، وبوشر العمل فيه؛ فسوي، أولا، رمل الأرض؛ ثم وضعت عليه طبقة من الحجر الدبش سمكها 15 سنتيمترا، هرست هرسا بمرور صخرة غرانيتية ضخمة عليها، تجرها أربعة ثيران؛ ثم وضعت فوقها طبقة أخرى عرضها 15 سنتيمترا، كذلك، هرست مثل الأولى، وتلتها طبقة ثالثة، غطيت على سمك 15 سنتيمترا، أيضا، برمل من رمل الصحراء ممزوج بأديم محمر مشتمل على تزجيجات جبصية، وهرس كل ذلك، مثل ما هرست الطبقة الأولى، ثم جعل على جانبي الطريق اتساع قدره متران، لسير المشاة، وعملت سكة صغيرة بجانبه، لتصريف مياه الأمطار، واحتفرت بئرا ارتوازية بالقرب من حصن أجرود ليرتوي منها الرائح والغادي؛ ولكنها لم تفلح، ولم ترو من ظمأ.
فلما مات (عباس)، وآل عرش مصر إلى (سعيد)، وبلغ النبأ، بذلك، علم فردينند دي لسبس - وكان مشتغلا في ترميم قصر لحماته، سكنته أنييس سوريل، خليلة شارل السابع الفرنساوي، في زمنها - تهلل، واستبشر، وأرسل يهنئه تهنئة خالصة، فرد (سعيد) عليه واستدعاه إلى مصر، ليشاطره سروره وهناءه، ولما وفد عليه، أكرمه إكراما فائقا، واستصحبه معه في سياحة، قام بها على رأس عشرة آلاف جندي بمدافعهم وخيولهم، من الإسكندرية إلى مصر، عن طريق الصحراء الغربية.
7
فأخذ دي لسبس يتحين الفرص ليفاتحه في مشروع قناة السويس الذي كان اختمر في اعتباره اختمارا تاما؛ مستعينا على ذلك بذي الفقار باشا، صديق الوالي الأقرب إليه، واتفق له، ذات يوم، بعد ما استأذن (سعيدا) في الانصراف إلى شأن من شئونه، وهو معه في تلك السياحة، أنه امتطى صهوة جواد كان ذلك الوالي وهبه إياه، ووثب به فوق كثيب مرتفع من الحجارة أمام عموم القواد المصريين، فأعجبوا به وأكبروا فروسيته.
ففي اليوم التالي، اغتنم فردينند فرصة مناسبة، وجر الحديث إلى رغبته في أن يسطع ملك صديقه بعمل فخم، يخلد ذكره في هالة من سنا، إلى نهاية الدهور؛ واقترح على (سعيد) الإقدام على إنفاذ مشروع الترعة؛ وهو يجتهد في أن يلهب كلامه مخيلته، فيجعلها تدوي منذ تلك الساعة، بترنم العالم المتمدين بأسره، بأناشيد مديحه.
فبالرغم من أن (سعيدا) كان قد أكد مرارا، قبل ذلك، لغير دي لسبس بأنه لن يحيد في هذا الموضوع عن عزم والده، وعن خطة الرفض التي وضعها لنفسه، فإنه سكر بالخمر اللذيذة المبذولة له في كلام محادثه؛ وما هو أهم من ذلك، اقتنع باقتناعه، وتأكد من أن إنفاذ المشروع يزيد مصر أهمية، ولا يعرضها لأي خطر يكون، فقال لدي لسبس: «أجل! إني مقتنع، فثق بي، واعتمد علي».
8
Bilinmeyen sayfa