Mısır Yüzyılın Üçte İkisinde
مصر في ثلثي قرن
Türler
مستر ميافيل
أرأيت إذا جلست إلى شيخ فان برك الدهر على صدره، فاستوصفته حياة مصر الاجتماعية والصحية قبل ثلث القرن الأخير، فماذا يسمعك؟
لا شك يفتح عينيه البراقتين ببطء ليراك، كأنه يسمع منك بعينه البصيرة لا بأذنه السميعة، ذلك فعل الذكرى التي ثارت في قلبه، والحيرة التي تملأ صدره كلما رأى حاضره وذكر ماضيه، ومثل هذا الشيخ يتبرم بالحياة لأنها أمهلته حتى رأى جيل الفساد والسقم.
شيخك المسئول يزفر ويتململ تحت سؤالك، كأنه يحاول أن يزيح عن قلبه حجرا ثقيلا، ولكنه على كل حال سيتكلم، فاسمع ما يقول:
منذ أربعين عاما كانت مصر موطنا لشعب بريء طاهر، لا يعلق بذيله دنس، ولا يتقذر شرفه برذيلة، أعراضه موفورة عليها رقيب من الأرواح، ودينه مصون عليه حفيظ من المهج، كان أكثر ما تبلغه الرذيلة منه أن ترسل خيالها فيقطع عنق هذا الخيال، وكان أكبر ما يدخل عليه المكر أن يبعث نذيره فيقضي على هذا النذير.
هكذا كانت مصر وشعبها منذ أربعين عاما، أيام كانت قوتها المعنوية كالحديد صلابة وتماسكا، وثروتها في يدها كالوديعة في يد الأمين لا تمتد يده إليها بسوء، وأخلاقها صافية كالماء لا عكر فيها، متآخذة كالعقد المنظوم لا انفراط لها.
مضت تلك الأيام وطوت شبابها وشيبها، وقد كانوا من قوة الأبدان بحيث يعدل واحدهم ألفا، ومن حياة الوجدان بحيث لا تموت أعراضهم حتفا، ومن طهارة النفس بحيث لا يلمون بفاحشة، ولا تنزل الدنية بواديهم.
هذه صفة مصر وشعبها في الوقت الذي كان قبل أربعين عاما، فهل مسخت هذه الصفة أو لا تزال قائمة؟ وهل تبدلت الحال أو بقيت على نحو ما كانت؟
اهبط المدائن من أرض مصر، وافتقد الفضيلة فيها؛ فإنك سوف تجدها بعد الوصب والإعياء منتبذة مكان الذليل العاني تحت حجر من أحجار المعابد، أو في زاوية من زوايا القبور؛ لأنها حوربت في السبل والأندية والمدارس والمجالس، فانهزمت تطلب النجاة في الدور المأهولة، ولم يفرخ روعها حتى هوجمت في الدور أيضا، فطارت عنها تطلب النجاة في المعابد، في بيوت الله. ويا ويلتنا فقد أحيط بها خفية في هذه البيوت أيضا، إنها لا بد أن تذهب إلى المقابر لتجيرها العظام النخرة والأجساد البالية، وكذلك فعلت، وكذلك أحسن الموتى جوار الفضيلة.
الفضيلة في نفسها غير مذنبة، والفضيلة لا تحارب لذاتها، فلماذا شنت عليها تلك الغارات؟ سؤال يسأله العقل ويقره الإنصاف، ولكن الفضيلة تشد الأزر، وتجمع الشتات، وتصلح الأبدان، وتعصم الأرواح، وتصون الأخلاق والآداب، وتحفظ الثروة والجاه، وتجري بحار العلم، وتغري بالمحامد، وتحث على الرفعة، وتأمر بالعمل للحياة الكريمة، هذا كله فعل الفضيلة فكيف تفعل فعلها الطبيعي في مصر؟ إنها إذن تستحق أن تنفى من الأرض!
Bilinmeyen sayfa