من سنة 1168-1171ه أو من 1754-1757م
هو عثمان الثالث، ولم يحكم إلا ثلاث سنوات لم يحدث في أثنائها ما يستحق الذكر في المملكة العثمانية حتى في مصر. فإن «إبراهيم الشركسي» شفى غليله بقتل «إبراهيم كخيا » لكنه لم يرو مطامعه؛ لأن مشيخة البلد انتقلت إلى «رضوان بك» صديق «إبراهيم كخيا».
ثم ظهر لرضوان منافس آخر من زعماء حزب إبراهيم يقال له «حسين بك» أصبح بعد قتل الكخيا أكبر رجال ذلك الحزب، فادعى لنفسه الأولوية بمشيخة البلد، فلم تقبل دعواه، فجمع إليه بعض دعاته المماليك، وصعد إلى قلعة القاهرة واستولى على بطارية من المدافع تشرف على بركة الفيل حيث يقيم «رضوان بك» فأطلق بعض القنابل على المنازل، فغرقت جدرانها، فتداعت أركانها و«رضوان بك» مشغول بحلاقة لحيته، فلما أحس بالأمر، طلب جواده، ولم يعل ظهره حتى أصيب برصاصة كسرت فخذه، وتمكن من الفرار ومعه بعض المماليك إلى قرية الشيخ «عثمان» وهناك توقف عن المسير لزيادة الألم، ومعه رئيس الضابطة، وكان مجروحا ثم توفي الاثنان ودفنا معا.
فسمي «حسين بك» من ذلك الحين «شيخ البلد» وأخذ يتقرب من أترابه البكوات وهم لا يزيدون منه إلا نفورا. ولم تمض بضعة أشهر من توليته، حتى كمنوا له في مكان مصاطب النشاب في السهل الواقع بين القاهرة وأرض «إبراهيم بك» وكان مشتغلا بعرض جنوده المماليك، فهموا به وذبحوه ثم قطعوه إربا إربا وصار يعرف من ذلك الحين بحسين بك المقتول. وتولى مكانه «خليل بك» واشتهر بحب القتل، وكان متظاهرا بالعداوة والحسد لعلي بك على الخصوص لاعتقاده أنه أشد أعدائه وطأة وأقواهم عزيمة. (5) سلطنة مصطفى بن محمد
من سنة 1171-1187ه أو من 1757-1774م
وهو «مصطفى الثالث» تولى الملك وسنه 32 سنة. وكان ميالا إلى الإصلاح، ووزر له «راغب باشا» وهو ذو حزم ونشاط وعمل، فأعانه فيما أراده من الإصلاحات وحفظ السلام طوال حياته. فلما توفي عادت «روسيا» إلى الحرب، وكانت «كاترينة» الثانية إمبراطورة الروس، قد تولت العرش الروسي بعد «بطرس». فعينت صديقها «ستسلاس يونياتسكي» ملكا على «بولونيا» وكان ذلك مخالفا للمعاهدة بين «روسيا» والدولة، وإنما عمدت «كاترينة» إلى خرق هذه المعاهدة عملا بوصية «بطرس الأكبر» وهي تقضي أن يبذل الروس جهدهم في إزالة الحواجز الثلاثة الحائلة بينهم وبين أوربا الغربية، وهي «أسوج» و «بولونيا»، و«الدولة العثمانية». وقد أزيل الحاجز الأول باستيلاء «الروس» على الولايات الأسوجية الفاصلة بينها وبين «ألمانيا»، وأزيل الثاني تقريبا بتعيين أحد أتباع الإمبراطورة على «بولونيا»، ولم يبق إلا إزالة الدولة العثمانية من «أوربا».
فنبهت الدولة لهذا الخطر، لكن بعد فوات الفرصة؛ إذ كان ينبغي لها أن تنجد شارل الثاني عشر على «الروس» ولكنها عمدت إلى استدراك ما فات، وفتحت حربا طال أمدها، وتعاظم لهيبها، وبذلت كل من الدولتين جهدها في التغلب، وأرسلت «روسيا» عمارتها إلى البحر الأبيض لمصادرة السفن العثمانية وضرب الثغور العثمانية فاغتنم «علي بك الكبير» تلك الفرصة، واستعان «بالروس» على استقلاله بمصر في الدولة العثمانية، كما سيجيء
وكان «علي بك» كثير الإخلاص «لإبراهيم كخيا» لا ينفك ساعيا في الانتقام له، ولكنه كان يرى السبيل الأقرب والأسهل لبلوغ مرامه، إنما هو القوة، فأخفى ما في ضميره ثماني سنوات، اشتغل في أثنائها بجمع القوة، فابتاع عددا وافرا من المماليك، ووطد علائقه مع البكوات الآخرين واكتسب ثقتهم بما كان يظهره من الغيرة عليهم والإخلاص لهم، وما كان يكرمهم به من الهدايا. وما زال يخطو خطوة بعد أخرى حتى اقترب من النقطة المطلوبة، فأوجس «خليل بك» خيفة منه، وجعل يتجسس حركاته بالأرصاد والعيون، ويعد المكائد في شوارع «القاهرة». ففي ذات يوم هجم عليه «حسين كشكش» بأمر «خليل بك» وبعد واقعة هائلة اضطر «علي بك» أن يفر إلى الصعيد في طائفة من أصدقائه البكوات، يستعد للانتقام مضاعفا.
فصرح «خليل بك» أن «علي بك» وأتباعه البكوات مجردون من رتبهم وحقوقهم، وولى مكانهم بكوات من ذويه، وقتل من ظفر به في القاهرة من أصدقاء «علي بك» أو المنتمين إليه. أما «علي بك» فالتقى في الصعيد بواحد من مماليك «مصطفى أنور » يدعى «صالح بك» كان منفيا هناك وفي قلبه من «خليل بك» حزازات فاتحد الاثنان ورجالهما وزحفا على «القاهرة» فخرج «خليل بك» و«حسين بك كشكش»، فدارت رحى الحرب، فكان الفوز «لعلي» ورفيقه، فطاردا «خليل بك» ورجاله حتى قطعوا مديرية «القليوبية» وأوصلوهم إلى المسجد الأخضر على ضفاف النيل، واشتد الكفاح هناك، فالتجأ «خليل بك» ورجاله إلى «طنطا»، فبعث «علي بك» كاشفه «محمد» الملقب «بأبي الذهب» ليهاجمهم، فهاجمهم، واستلم «طنطا» بعد أن قتل «حسين كشكش». أما «خليل بك» فاختبأ بالمسجد وبقي فيه، وقد غلبه الجوع، ثم قبض عليه، ونفي إلى «الإسكندرية» وخنق هناك، ونقلوا رءوس القتلى إلى القاهرة، وطافوا بها في أسواقها.
الدور الثالث لسيادة الدولة العثمانية على مصر أو علي بك الكبير
Bilinmeyen sayfa