وبعد سبعة أشهر من سفر تلك الحملة (في 19 شعبان)، طاف على مكة سيل من الماء، أغرق القسم الأعظم من أراضيها حتى الكعبة، فهدم السلطان معظم بنائها، ولم يبق من جدرانها إلا الأيمن.
فاتصل ذلك بوالي مصر، فأوصله للسلطان «مراد الرابع»، فأنفذ السلطان إلى «محمد باشا» يعهد إليه ترميمها ففعل. فبلغت جميع النفقات نحو ستة ألف غرش (الغرش يومئذ يساوي أربعة فرنكات تقريبا).
وفي سنة 1040ه، كان ارتفاع النيل قليلا، فجاء شهر توت ولم يبلغ 16 ذراعا، ومع ذلك، فتح الخليج، وسيقت المياه قليلة إلى الأرضين، ولكن البلاد أمنت من الجوع بتدبير «محمد باشا».
وفي هذه السنة، استدعي «محمد باشا» إلى الآستانة، وقلده السلطان منصب الوزارة مكافأة لحسن سياسته ودرايته، وتولى مكانه في مصر «موسى باشا» وكان للأهلين في بادئ الرأي ثقة به، وكانوا يحبونه ويجلون قدره، فخرجوا لملاقاته في شبرا، لكنه لم يكد يمكن قدمه، حتى استسلم لهواه . فأخذ في الاختلاس والاستبداد بأنفس العباد، فأمر بقتل أكبر رجال مصر بغير وجه حق، وجعل يراقب سير أغنيائها ويترصد خطواتهم، لعله يجد سبيلا للاستيلاء على ثرواتهم.
وفي شعبان من تلك السنة، بعث السلطان يطلب إليه أن يعد حملة من جنده لمحاربة الفرس فجمعها تحت قيادة «قيطاس بك» وضرب على البلاد ضرائب فاحشة باسم إعانة حربية.
ولما وصلت تلك المبالغ إليه، زعم أن مصر لا يمكنها تجريد مثل هذه الحملة لأن ماليتها لا تسمح لها بدفع النفقات اللازمة. فنصح له «قيطاس» أن يتبع الاستقامة، وهي أفضل له، فذهبت أقواله عبثا. ثم أوجس «موسى باشا» خيفة من «قيطاس بك»؛ لأنه اطلع على فظائعه، فاستدعاه إلى القلعة في عيد الأضحى في 9 ذي الحجة، وأمر أربعين من رجاله أن يقتلوه، ففعلوا.
فلما رأى الأميران «كنعان بك» و«علي بك» ذلك دفع الخوف في قلبيهما، وأسرعا إلى الجيوش، فأعلماهم بما كان من أمر «قيطاس بك» مع «موسى باشا» فاجتمعت العساكر حالا في الرميلة.
وأما السناجق والأمراء والقضاة وكبار الموظفين، فاجتمعوا في جامع السلطان «حسن»، وتفاوضوا في الأمر، فأقروا على عزل «موسى باشا» وتولية من يقوم مقامه مؤقتا ريثما يأتي أمر الباب العالي بشأنه، فخلعوه وأقاموا «حسن بك» مكانه، فكتب «موسى باشا» إلى السلطان يعلمه بخبر تلك الثورة. وكان رؤساؤها قد رفعوا إلى ديوان الآستانة كتابين، الواحد بالتركية، وقع عليه السناجق والأغوان وكبار ضباط العسكرية والآخر بالعربية من القضاة والمشائخ يطلبون بصوت واحد خلع موسى باشا، فأجابهم السلطان إلى طلبهم، فولى عليهم خليل باشا. (8-3) «خليل باشا»
وفي ربيع أول سنة 1041ه، وصل «خليل باشا» إلى مصر، استلم أزمتها، وبلغه أن جماعة من اللصوص ثاروا تحت رئاسة أحد الشرفاء المدعو «نامي»، ونهبوا مكة، فجمع جند القاهرة وأرسلهم بقيادة الأمير «قاسم بك» لإخماد تلك الثورة فساروا وحاربوا اللصوص وقتلوا زعماءهم.
وفي صفر سنة 1042ه، عاد «قاسم بك» بجيشه إلى القاهرة ظافرا. وأقبلت غلة مصر تلك السنة، وزاد خصبها، وتضاعف ريعها، ونزلت أسعار الحنطة من ثمانية غروش للأردب إلى غرشين.
Bilinmeyen sayfa