وولى السلطان «سليمان» مكانه «مصطفى باشا» وبعد تسعة أشهر و25 يوما أبدل «بأحمد باشا» وكان عدوا للصدر الأعظم «إبراهيم باشا» فدس الصدر سنة 930ه إلى أمراء المماليك في القاهرة أن يقتلوه، فعلم بالدسيسة، فقبض على الكتب الواردة بذلك قبل أن تصل إلى أصحابها، ثم استدعاهم وأعلنهم أنها أوامر جلالة السلطان بقتلهم، ولم يطلعهم عليها، فأبوا الإذعان، إلا أن إباءهم لم يمنع قتلهم.
ولما تأكد «أحمد باشا» أنه صار في مأمن من المقاومين، صرح باستقلاله، وأمر أن يخطب له، وأن تضرب النقود باسمه، وهو أول من طمع باستقلال من ولاة مصر في عهد الدولة العثمانية، ولكنه بالغ بالعسف، فاختلس ممتلكات البعض وحبس البعض، فثارت الأفكار عليه حتى أصبحت حياته في خطر.
وبينما هو ذات يوم في الحمام، فاجأه أميران من أمرائه كان قد أمر بسجنهما وهم: «جهم الحمزاوي» و«محمد بك» فكسرا باب السجن وخرجا رافعين العلم الشاهاني، يستنصران الناس حتى أتيا الحمام، فعلم الباشا بذلك، ففر من السطح، والتجأ إلى أحد مشائخ عربان الشرقية واسمه «ابن بقر» فتعقبه أعداؤه حتى أدركوه وقطعوا رأسه على باب زويلة ثم نقل إلى الآستانة سنة 931ه.
فأرسل السلطان عوضا عنه «قاسم باشا». وفي نيته تقصير مدة هؤلاء الولاة لئلا يثور في خواطرهم حب الاستقلال. فبعد تسعة أشهر و14 يوما استبدله بإبراهيم باشا وكان نشيطا، محبا للإصلاح والنظام إلا أن قصر مدته لم تمكنه من إتمام ما كان شارعا فيه، فعزل وأقيم بدلا منه «سليمان باشا» سنة 933، وكان السلطان راضيا عن سميه هذا، فأبقاه في الولاية تسع سنوات و11 شهرا.
وفي سنة 941ه، استقدمه إلى الآستانة، ليسلمه قيادة حملة أعدها لمحاربة الفرس والهند. وقد أقام في أثناء حكمه بنايات كثيرة من جملتها جامع سارية في القلعة، وناب عنه في غيابه «خسرو باشا» نحو سنة وعشرة أشهر فعاد «سليمان باشا» إلى مصر، وبقي عليها بعد ذلك نحو سنة وخمسة أشهر.
وفي سنة 945ه، عهدت باشوية مصر إلى «داود باشا» فبقي عليها 11 سنة و8 أشهر. وكان رجلا مستقيما، كريم الخلق، محبا للعلماء، آخذا بناصرهم، كلفا بالمطالعة، وعلى نوع خاص مطالعة الكتب العربية، فجمع منها عددا وافرا واستنسخ كل ما ظفر به من الكتب غير المطبوعة، فجمع مكتبة جميلة جدا.
وكان الأهلون في مدة حكمه في بحبوحة السعادة والأمن، وتوفي في القاهرة سنة 956ه، فتولى مكانه «علي باشا» وهذا رمم وبنى عدة بنايات عمومية في «القاهرة» وفي «فوة» و«رشيد» واقتدى به غيره من بكوات «مصر»، فجعلوا يشيدون الجوامع، منها الجامع الذي ابتناه «عيسى بك» في «ديروط». وكان علي باشا محبوبا، مكرما عند المصريين بمنزلة الأب، لكنه على ذلك لم يحكم إلا أربع سنوات وستة أشهر.
ففي سنة 961ه، تولى باشوية «مصر» «محمد باشا» وكان الناس يبغضونه، فلم يحكم إلا ثلاث سنوات. ولما زاد التشكي منه، عزل واستقدم إلى الآستانة للمحاكمة فحكم عليه بالقتل سنة 963ه.
وبعد «محمد باشا» تولى «إسكندر باشا» فحكم ثلاث سنوات وثلاثة أشهر ونصف.
وفي سنة 968ه، تولى «علي باشا» الخادم، وبعد 17 شهرا خلفه «مصطفى باشا» (الثاني) في سنة 969ه.
Bilinmeyen sayfa