أما نفقاتها، فمن مخصصات يتولى ضبطها وتفريقها «أفندي» من كل وجاق. وجعل لكل وجاق مجلسا مؤلفا من ضباط ذلك الوجاق، وبعض صف ضابطانه لمحاسبة الأفندي، والنظر في الدعاوى بخصوصية، وعرض الترقيات للباشا للمصادقة عليها ومقامهم في القاهرة، ولكل منهم لباس خاص برتبته وعليه علاماته، ومجموع عدد رجال الوجاقات معا عشرون ألفا وقد يزيد أو ينقص حسب الاقتضاء. وكان لوجاق الإنكشارية امتيازات على سائر الوجاقات، وقائده (الأغا) مفضل على سائر القواد وله نفوذ عليهم.
وجعل السلطان «سليمان» للبكوات المماليك الذين أقامهم السلطان «سليم» امتيازات خصوصية، وحقا بالارتقاء إلى رتبة الباشوية وأضاف إليهم 12 بيكا آخرين لمهمات فوق العادة. وهاك أسماء الموظفين الذين ينتخبون من البكوات، وهم: الكخيا أو نائب الباشا والقبابطين الثلاثة، وهم قومندانات ثغور السويس ودمياط، والإسكندرية، ويسمى واحدهم قبطان بك، ودفتردار، وأمير الحج، وأمير الخزانة، وحكمداريو أو مديريو المديريات الخمس الآتي ذكرها: جرجا، والبحيرة، والمنوفية، والغربية، والشرقية. ولم يكن لغير الكخيا والدفتردار، وأمير الحج، الحق في دخول الديوان، فالدفتردار كان عليه ضبط الحسابات، وحفظ الدفاتر والسجلات، ولا ينفذ إجراء ببيع عقار إلا بعد توقيعه عليه إشارة إلى تسجيله في دفاتره، وأمير الحج يحمل الهدايا والصدقات التي كان يرسلها السلطان سنويا إلى مكة أو المدينة، وعليه حماية قافلة الحج ذهابا وإيابا.
وأما أمير الخزانة، فيحمل القسم المختص بالقسطنطينية من حاصلات مصر برا وعليه حمايته. وينتخب من البكوات أيضا «شيخ البلد» وسنعود إليه ويكون له شأن عظيم.
وكانت لمديريات القليوبية، والمنصورة، والجيزة، والفيوم في عهده كشاف لا فرق بينهم وبين البكوات في النفوذ، ولا يعمل بإقرار أحدهم إلا بعد مصادقة الشوربجية وغيرهم من الوجاقيين الذين يتألف منهم ديوان خاص في كل مديرية. ثم إن تعيين كخيا الباشا وقباطين السويس ودمياط والإسكندرية متعلق رأسا بجلالة السلطان، فيرسلونهم من الآستانة ويستدعونهم إليها في آخر كل سنة.
أما البكوات الآخرون، فيعينهم الديوان، ويوليهم الباشا، ويثبتهم الباب العالي، ومراكزهم ثابتة إلا أن واجباتهم تتغير، إلا الدفتردار، وقد ينتخب البكوات من وجاق المتفرقة ومتى انتخبوا لا يعودون تابعين لذلك الوجاق.
وكان هم الباب العالي الانتباه إلى السويس ودمياط والإسكندرية على الخصوص، لأنها الأبواب التي يدخل منها إلى مصر، فكان يرسل حاميتها رأسا من الآستانة تحت قيادة القباطين، ويجددها كل سنة. وهؤلاء القباطين لم يكونوا يحسبون من جند مصر إلا باعتبار إقامتهم فيها وبما ينالونه من الإمدادات المالية لنفقاتهم.
أما ما خلا ذلك، فكانوا يحسبون أجانب في اعتبار الباشا وديوان مصر، ولم يكونوا تحت أوامر حكومة البلاد في شيء، فأوامرهم كانت ترد إليهم من ديوان الآستانة رأسا. (2-2) حاصلات البلاد
هذا من قبيل الإدارة، أما من قبيل حاصلات البلاد، فإن السلطان «سليمان» بما أنه المالك الحر لأرض مصر، فكانت له ملكا، وكان يفرقها إقطاعات على مزارعين كان يدعوهم الملتزمين، على أنه لم يكن يمنع إقطاعها أو يوقفه. فلم يكن بالحقيقة فرق بين هذه الإقطاعات والملك الحقيقي. والفلاحون الذين كانوا يحرثون الأرض كانوا يتمتعون بنصيبهم منها ويورثونها لأعقابهم، ولكنهم مجبورون على العمل فيها بدون حق التصرف بها، وعليهم خراج لا مناص من دفعه للملتزمين، ومتى توفي فلاح بلا وريث، تعطى أرضه للملتزم، وهو يتعهد بحراثتها من يشاء، وإذا مات الملتزم وليس له وريث تعود الأرض إلى السلطان، وكان على كل من الملتزمين والفلاحين خراج يدفعونه إما نقدا أو عينا، فإذا تأخر الملتزم، تؤخذ الأرض منه.
ونظرا لاتساع أرض مصر لم يمكن حصر أملاك كل من الملتزمين، فلم يكن ممكنا تعيين مقدار خراجها، فأرسل السلطان «سليمان» مساحين مسحوا الأرضين المصريين. فقسموا المديريات إلى أقسام دعوها بالقراريط ومسحوا كلا منها على حدة، وحددوه. (2-3) ولاة مصر في زمن السلطان «سليمان»
قلنا إن السلطان «سليم» ولى حكومة مصر «خير بك» الذي كان «الغوري» و«طومان باي» في تسليم حلب. فتوفي «خير بك» سنة 928ه، ودفن في جامعه المعروف باسمه في شارع «درب الوزير» وبعد وفاته، لهجت الألسنة بذمه لعظم استبداده.
Bilinmeyen sayfa