فلنذكر تاريخ كل دور من هذه الأدوار فنبدأ بالتاريخ السياسي ونلحقه بفذلكة من تاريخ العلم والأدب. وخلاصة تراجم العلماء في كل دور، وما خلفوه من الآثار الأدبية فنقول:
الدور الأول من تاريخ مصر العثمانية
من سنة 923-1115ه أو 1517-1703م (1) سلطنة سليم الأول: من سنة 923-926ه أو 1517-1520م
أقام السلطان سليم بمصر بضعة أشهر، وهو ينظم أحوالها لكن همه كان منصرفا إلى حمل ما فيها من التحف إلى الآستانة.
ذكروا أنه أمر بفك الرخام الذي كان في القلعة والعواميد السماقية التي كانت في الديوان الكبير؛ لأنه أراد أن ينشئ مدرسة في الآستانة، مثل مدرسة الغوري.
قال ابن إياس «وصار يحيى بن فكار يركب ويأخذ معه جماعة من المرخمين فيهجمون على قاعات الناس، ويأخذون ما فيها من الرخام السماقي والزرزوري الملون، فأخربوا عدة قاعات من أوقاف المسلمين، وبيوت الأمراء. حتى القاعات التي في بولاق، وقاعات الشهابي أحمد ناظر الجيش ابن ناظر الخاص التي على بركة الرطلي وغير ذلك من قاعات المباشرين والتجار، وأبناء الناس والمدارس التي فيها الكتب النفيسة فنقلوها عندهم، ووضعوا أيديهم عليها.»
غير ما نهبوه من الأمراء وتحفهم. وبالجملة فقد خرج السلطان سليم من مصر في شعبان من تلك السنة، ومعه أحمال من التحف والهدايا، وقد نال أمرا لم يجسر عليه أحد قبله من السلاطين الأتراك ولا غيرهم؛ نعني نيل الخلافة الدينية، فضلا عن السلطة السياسية. (1-1) الخلافة والسلطة في الإسلام
لما كانت الخلافة أهم ما اكتسبه العثمانيون في مصر، رأينا أن نأتي على تاريخ هذا المنصب في التمدن الإسلامي، ونسبته إلى السلطة، يتبين للقارئ أن السلطان سليما أقدم على أمر لم يقدم عليه سواه من السلاطين فنقول: لا بد للناظر في أحكام التاريخ على العموم، وتاريخ الإسلام على الخصوص من أن يرى السلطة المطلقة لا تتأيد بمثل الدين، فإن الصبغة الدينية تحميها من طمع الطامعين بأن تجعل لملوكها مزية على سائر الناس.
وإذا أريد فصل الدين عن السياسة فلا بد من تقييد الحكومة بالشورى، وهي أفضل الحكومات وأطولها عمرا، وإلا فإنها تنحل سريعا. ويكفي لانحلالها أن يتولى شئونها ملك قليل التدبير ناقص الاختيار، فيغتصب ملكه بعض وزرائه أو قواده.
وإذا تدبرت تاريخ الدول الإسلامية، رأيت للسلطة الدينية تأثيرا كبيرا في طول بقائها واتساع نطاقها. اعتبر ذلك في الدول التي نشأت في أثناء التمدن الإسلامي من الفرس، والترك، والكرد، والشركس، كالبويهيين والسلاجقة والأيوبيين، وغيرهم من الدول الفخمة؛ فإن بين ملوكها جماعة من دهاة الرجال وقهارمة السياسة، ولم تطل أعمارها رغم استقوائها بالخلافة العباسية.
Bilinmeyen sayfa