وقد عرف العلماء أمتين من البشر قد انقرضتا، وكانت كلتاهما تعيش في حال بدائية ساذجة: الأولى هي التسمانيون سكان تسمانيا الجزيرة الإنجليزية التي تبعد بنحو مئة ميل عن أستراليا. والثانية هي البوشمان الذين كانوا يعيشون في أفريقيا الجنوبية، وقد أباد الإنجليز الأولى وأباد البوير أي الهولنديون الثانية، ولكن بقي من المعارف التي جمعت عنهم ممن عاصرهم ما يكفي لأن نعرف كيف عاشوا وبأي العقائد آمنوا.
ونحن عندما نقف على طريقة العيش التي عاشها التسمانيون نعرف كيف كان يعيش آباؤنا قبل نحو خمسين أو مئة ألف سنة، وعندما نقف على طريقة العيش التي عاشها البوشمان نعرف حالتنا قبل نحو 15 أو 10 آلاف سنة. •••
اكتشفت تسمانيا سنة 1642 ولكنها لم تستعمر إلا منذ 1772 إذ صارت بريطانيا تنفي إليها مجرميها، ثم بعد ذلك شرع الإنجليز يهجرون إليها ويعيشون فيها، وكان فيها من السكان الأصليين ما يبلغ نحو عشرين ألفا، وكانوا سلالة بشرية منفصلة لعلها أحط السلالات التي عاشت إلى عصرنا الحديث؛ فإن تفريغ الجمجمة عند أفرادها لم يكن يزيد في المتوسط على 1200 سنتيمتر مكعب في حين هو يزيد عندنا الآن على 1400 وأحيانا يبلغ 1500 س مكعب، وكانت القامة قصيرة والوجه كريها، بل لفظة «كريهة» هذه قد ذكرت مرات متكررة في جميع ما كتب عنهم وهي تدل على شعور أولئك الذين عاينوهم من الأوروبيين، وكان التسمانيون يعيشون عرايا ولا يعرفون معنى للعورة أو الاستحياء من كشفها، وكانوا يحمون أجسامهم من المطر بأن يدهنوا بشرتهم بالدهن والمغرة وأحيانا إذا اشتد البرد وضعوا على أكتافهم جلود الكنغر، وهو الحيوان الكيسي الذي يعيش إلى الآن في أستراليا وتسمانيا.
ومن التسمانيين نعرف أن للزينة قيمة كبيرة في اللباس؛ فإن المرأة كانت تزين جسمها بحلقات وقلائد من الزهر في الذراع والعنق، وتزين ركبها بنسائر من جلد الكنغر، والرجال يتخذون قلائد من المحار والسن، وهذا إلى الحزوز التي يحدثونها بجلودهم كما يفعل الزنوج.
ولم يعرف التسمانيون بناء المنزل أو الاجتماع في قرية، ولكنهم مع ذلك كانت لهم عناية ببناء خيمة فوق الميت وهنا يشك الإنسان في أنهم هم الذين ابتكروا هذه العادة.
وكانت آلاتهم من الخشب لا يعرفون المعادن، وكانوا يصيدون بالمطرد يحذفون به الكنغر وغيره على مسافة 30 أو 40 مترا، وكانوا يستخرجون المحار من السواحل ولكنهم لم يعرفوا صيد السمك، وكانوا يشوون طعامهم على النار ولكنهم كانوا يجهلون سلقه في الماء، وكان جهلهم تاما بالزراعة ولكنهم كانوا يشعلون النار بالحك، يحكون عودا عموديا في أخدود من خشبة أفقية أخذا وردا أو يديرون العود في فجوة مستديرة في خشبة أفقية.
ولما كانوا يعيشون على الصيد فإنهم كانوا في رحلة دائمة، يقيمون يومين على الأكثر في مكان الصيد إلى أن يأكلوه ثم يرحلوا إلى صيد آخر.
وكان التسماني يتزوج من قبيلة أخرى بعيدة عنه، وكان النسب قائما على الأم دون الأب، وكان يحدث أن تترك الفتاة قبيلتها وترحل إلى أخرى لكي تبحث عن زوج، ويشك في أنهم عرفوا المضارة إذ الأغلب أن الرجل كان يقنع بزوجة واحدة، وكان على الزوجة أن تغوص في الماء للمحار وتشوي اللحم وتقدمه لزوجها، وهو يلقي إليها ما يفيض منه كما لو كانت كلبا ينتظر اللقمة بعد الأخرى، ولم يكن في الزواج شيء مما تفهمه أنه احتفال أو عرس، وكانوا يجهلون التقبيل. •••
أما البوشمان فأقل سذاجة من التسمانيين، وقد انقرضوا تقريبا هم أيضا، ومما يجب الالتفات إليه أن كلا من التسمانيين والبوشمان انقرضوا دون أن يتزاوجوا بالإنجليز أو البوير؛ وذلك لأن هؤلاء اشمأزوا من هذا التزاوج وأعملوا فيهم القتل حتى أبادوهم، ومن هنا نفهم أن السلالات القديمة التي ظهرت وانقرضت مثل الإنسان النياندرتالي لم تختلط بنا لأن الأرجح أن انقراضها كان نتيجة الاشمئزاز أيضا.
وكانت السلالة البوشمانية يمتاز أفرادها بشيئين في غاية الغرابة: الأول أن للبوشماني رجلا كان أم امرأة ألية بارزة جدا، والثاني أن للمرأة شفة تتدلي من حرف المهبل حتى تبلغ في الطول 10 إلى 12 سنتيمترا، فإذا سارت ظنها الرائي رجلا.
Bilinmeyen sayfa