مشكلة الثقافة

Malek Bennabi d. 1393 AH
75

مشكلة الثقافة

مشكلة الثقافة

Araştırmacı

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

Yayıncı

دار الفكر

Baskı Numarası

١٤٢٠هـ = ٢٠٠٠م ط٤

Yayın Yeri

دمشق سورية

Türler

وليس من شك في أن نظرات المثقفين إلى المدنية الغربية مؤسسة على غلط منطقي، إذ يحسبون أن التاريخ لا يتطور ولا تتطور معه مظاهر الشيء الواحد الذي يدخل في نطاقه، حتى إنك لتنظر إلى الشيء بعد حين فتحسبه قد تبدل شيئًا آخر، وما هو في الحق إلا الشيء نفسه تنكر لك في مظهره الجديد. وإن شبابنا لينظرون إلى المدنية الغربية في يومها الراهن ويضربون صفحًا عن أمسها الغابر، حين نبتت أولى بذورها وتلونت في تطورها ونموها ألوانًا مختلفة، وما فتئت تتلون عبر السنين حتى استوت على لونها الحاضر فحسبناها نباتًا جديدًا. ولو أننا تناولنا بالدراسة مشروعًا اجتماعيًا كجمعية حضانة الأطفال في فرنسا، لبدا لنا من أول وهلة أنها جمعية تقوم على شؤونها دولة مدنية، ونحكم بأنها مؤسسة نشأت في بادئ أمرها على أسس مدنية (لادينية). بينما لو درسنا تاريخها ورجعنا إلى أصول فكرتها الأولى، لوجدناها ذات أصل مسيحي، فهي تدين بالفضل للقديس (فانسان دي بول) الذي أنشأ مشروع الأطفال المشردين خلال النصف الأول من القرن السابع عشر. غير أن نظرتنا العابرة هذه جعلتنا ننظر إليه وكأن تاريخه قد ابتدأ من يوم أن التفتت أنظارنا إليه فأعرناه بعض اهتمامنا؛ وذلك شأن شبابنا في نظرتهم إلى الأشياء، فإن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات، وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجد لولا صلات اجتماعية خاصة لا تُتصور هذه الصناعات والفنون بدونها، فهي الأساس الخلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية في علومه وفنونه، بحيث لو ألغينا ذلك الأساس لسرى الإلغاء على جميع ما نشاهده اليوم من علوم وفنون؛ فلو تناولنا جهاز الراديو مثلًا لرأينا فيه مجهودات علمية وفنية مختلفة دون أن يخطر ببالنا أثر القيم المسيحية في بنائه، بينما هو في الواقع أثر من

1 / 80