Mirkatü'l-Mefatih Şerh-i Mişkatü'l-Mesabih

Mulla Ali al-Qari d. 1014 AH
45

Mirkatü'l-Mefatih Şerh-i Mişkatü'l-Mesabih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Yayıncı

دار الفكر

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

[(يُصِيبُهَا)]، أَيْ: يُحَصِّلُهَا لَكِنْ لِسُرْعَةِ مُبَادَرَةِ النَّفْسِ إِلَيْهَا بِالْجِبِلَّةِ الْأَصْلِيَّةِ شَبَّهَ حُصُولَهَا بِإِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْغَرَضِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ أَيْ: يَقْصِدُ إِصَابَتَهَا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الدُّنْيَا لِأَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى فَلَا يُذَمُّ مَعَ أَنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى لِقَوْلِ عِيسَى ﵊: يَا طَالِبَ الدُّنْيَا لِتَبَرَّ تَرْكُكَ الدُّنْيَا أَبَرُّ. [(أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا)]: خُصَّتْ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا. قَالَ: فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ ; أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [آل عمران: ١٤] . وَلِقَوْلِهِ ﵇: («مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ») لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا، وَلِقَوْلِهِ ﵊: («الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ») . [(فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)] أَيْ: مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي هَاجَرَ إِلَيْهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] أَوِ الْمَعْنَى فَهِجْرَتُهُ مَرْدُودَةٌ، أَوْ قَبِيحَةٌ. قِيلَ: إِنَّمَا ذُمَّ لِأَنَّهُ طَلَبَ الدُّنْيَا فِي صُورَةِ الْهِجْرَةِ فَأَظْهَرَ الْعِبَادَةَ لِلْعُقْبَى، وَمَقْصُودُهُ الْحَقِيقِيُّ مَا كَانَ إِلَّا الدُّنْيَا فَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ لِمُشَابَهَتِهِ أَهْلَ النِّفَاقِ، وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا رَأَى بَهْلَوَانًا يَلْعَبُ عَلَى الْحَبْلِ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ جَمَلَ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا، وَأَصْحَابُنَا يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَتَى اجْتَمَعَ بَاعِثُ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَلَا ثَوَابَ مُطْلَقًا لِلْخَبَرِ، وَفِي الصَّحِيحِ: («أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ») . قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُعْتَبَرُ الْبَاعِثُ فَإِنْ غَلَبَ بَاعِثُ الْآخِرَةِ أُثِيبَ، أَوْ بَاعِثُ الدُّنْيَا، أَوِ اسْتَوَيَا لَمْ يُثَبْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ مَنْ حَجَّ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَانَ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْهَا أَنَّ الْقَصْدَ الْمُصَاحِبَ لِلْعِبَادَةِ إِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرِّيَاءِ أَسْقَطَهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَحْمِلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ لَفْظُهُ، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ أُثِيبَ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْآخِرَةَ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَعْلِيلٌ مُسْتَحْسَنٌ هَذَا بِلِسَانِ الْعُلَمَاءِ أَرْبَابِ الْعِبَارَةِ، وَأَمَّا بِلِسَانِ الْعُرَفَاءِ أَصْحَابِ الْإِشَارَةِ فَمَعْنَاهُ مُجْمَلًا أَنَّ أَعْمَالَ ظَاهِرِ الْقَالَبِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ أَنْوَارِ الْغُيُوبِ، وَالنِّيَّةُ جَمْعُ الْهَمِّ فِي تَنْفِيذِ الْعَمَلِ لِلْمَعْمُولِ لَهُ، وَأَنْ لَا يَسْنَحَ فِي السِّرِّ ذِكْرُ غَيْرِهِ، وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ، ثُمَّ نِيَّةُ الْعَوَامِّ فِي طَلَبِ الْأَعْرَاضِ مَعَ نِسْيَانِ الْفَضْلِ، وَالْإِعْوَاضِ، وَنِيَّةُ الْجَاهِلِ التَّحْصِينُ عَنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَنُزُولِ الْبَلَاءِ، وَنِيَّةُ أَهْلِ النِّفَاقِ التَّزَيُّنُ عِنْدَ النَّاسِ مَعَ إِضْمَارِ الشِّقَاقِ، وَنِيَّةُ الْعُلَمَاءِ إِقَامَةُ الطَّاعَاتِ، وَنِيَّةُ أَهْلِ التَّصَوُّفِ تَرْكُ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ مَنِ الْعِبَادَاتِ، وَنِيَّةُ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّةٌ تَوَلَّتْ عُبُودِيَّةً. وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى مِنْ مَطَالِبِ السُّعَدَاءِ، وَهِيَ الْخَلَاصُ عَنِ الدَّرَكَاتِ السُّفْلَى مِنَ الْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ، وَالْجَهْلِ، وَالْمَعَاصِي، وَالسُّمْعَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَحَجْبِ الْأَوْصَافِ، وَالْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ، وَالتَّوْحِيدُ، وَالْعِلْمُ، وَالطَّاعَاتُ، وَالْأَخْلَاقُ الْمَحْمُودَةُ، وَجَذَبَاتُ الْحَقِّ، وَالْفَنَاءُ عَنْ إِنَابَتِهِ، وَالْبَقَاءُ بِهُوِيَّتِهِ، أَوْ مِنْ مَقَاصِدِ الْأَشْقِيَاءِ، وَهِيَ إِجْمَالًا مَا يُبْعِدُ

1 / 47