Mirkatü'l-Mefatih Şerh-i Mişkatü'l-Mesabih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Yayıncı
دار الفكر
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
هَذَا فِيهِ تَوَاضُعٌ مِنْهُ ﵊، وَإِرْشَادٌ لِلْخَلْقِ إِلَى قَبُولِ الْحَقِّ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ كَانَ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، وَفِيهِ: أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّهُ ﵊ يَعْتَمِدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ عَلَى قَوْلِ الْيَهُودِيَّةِ، بَلْ إِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى الْوَحْيِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " وَمَا نُقِلَ عَنِ الطَّحَاوِيِّ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ " فَهُوَ غَرِيبٌ لِأَنَّ نَقْلَهُ نَقْلٌ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْمَشْهُورِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ فِي الْغَايَةِ، لَا سِيَّمَا وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَيَجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِهِ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ مِنْ أَصْحَابِ مَذْهَبِهِ كَانَ سَنَدًا مُعْتَمَدًا عِنْدَهُ، ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَأْمَنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
١٢٩ - «وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ. وَإِذَا أَقْبُرُ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ، فَقَالَ: (مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟) قَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
قَالَ: (فَمَتَى مَاتُوا؟) قَالَ: فِي الشِّرْكِ. فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ) . قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَقَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) . قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) . قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٢٩ - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَائِطٍ)، أَيْ: كَائِنٌ فِي بُسْتَانٍ (لِبَنِي النَّجَّارِ): قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ): حَالٌ مِنَ الْمُسْتَتِرِ فِي الْخَبَرِ (وَنَحْنُ مَعَهُ): حَالٌ مُتَدَاخِلَةٌ لِأَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْحَالِ (إِذْ حَادَتْ): بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ بِالْجِيمِ مِنَ الْجَوْدَةِ بِالضَّمِّ أَيْ مَالَتْ وَنَفَرَتْ (بِهِ)، أَيْ: مُلْتَبِسَةٌ بِهِ، فِيهِ حَالٌ، وَإِذْ بِسُكُونِ الذَّالِ لِلْمُفَاجَأَةِ بَعْدَ بَيْنَا. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي (فَكَادَتْ تُلْقِيهِ): مِنَ الْإِلْقَاءِ، أَيْ: تُسْقِطُهُ وَتَرْمِيهِ عَنْ ظَهْرِهَا (وَإِذَا أَقْبُرُ): بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ (سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ): إِذْا بِالْأَلِفِ لِلْمُفَاجَأَةِ، وَالْوَاوِ لِلْحَالِ، أَيْ: نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِذَا أَقْبُرُ أَيْ ظَهَرَتْ لَنَا قُبُورٌ مَعْدُودَةٌ فَاجَأْنَاهَا (فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟)، أَيْ: ذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَتَارِيخَ وَفَاتِهِمْ وَأَيَّامَ حَيَاتِهِمْ (قَالَ رَجُلٌ: أَنَا) .، أَيْ: أَعْرِفُهُمْ (قَالَ) ﷺ: إِذَا كُنْتَ تَعْرِفُهُمْ (فَمَتَى مَاتُوا؟)، أَيْ: فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا مُشْرِكِينَ أَوْ مُؤْمِنِينَ (قَالَ: فِي الشِّرْكِ) .، أَيْ: فِي زَمَنِهِ أَوْ صِفَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ بَعْدَ بَعْثَتِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا» أَيْ بِالْعَذَابِ فِيهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَافِقَ الْأَصَحَّ أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ لَا عِقَابَ عَلَيْهِمُ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ عَلَى مَا حَقَّقُوا فِيهِ نَادِرُ الْوُجُودِ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ (فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ)، أَيْ: جَنْسَ الْإِنْسَانِ، فَهَذِهِ إِشَارَةٌ لِمَا فِي الذِّهْنِ وَخَبَرُهُ بَيَانٌ لَهُ كَهَذَا أَخُوكَ، وَأَصْلُ الْأُمَّةِ كُلُّ جَمَاعَةٍ يَجْمَعُهُمْ أَمْرٌ وَاحِدٌ إِمَّا دِينٌ أَوْ زَمَانٌ أَوْ مَكَانٌ (تُبْتَلَى): بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: تُمْتَحَنُ (فِي قُبُورِهَا): ثُمَّ تَنْعَمُ أَوْ تُعَذَّبُ («فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا»): بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ: لَوْلَا مَخَافَةُ عَدَمِ التَّدَافُنِ إِذَا كُشِفَ لَكُمْ (لَدَعَوْتُ اللَّهَ)، أَيْ: سَأَلْتُهُ (أَنْ يُسْمِعَكُمْ): مِنَ الْإِسْمَاعِ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى تَضْمِينِ سَأَلْتُهُ) أَنْ يَجْعَلَكُمْ سَامِعِينَ (مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ): يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً. قَالَ فِي " الْأَزْهَارِ ": قِيلَ: الْمَعْنَى الْمَانِعُ مِنَ الدُّعَاءِ هُوَ الْخَوْفُ وَالْحَيْرَةُ وَالدَّهْشَةُ وَانْخِلَاعُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: الْمَانِعُ تَرْكُ الْإِعَانَةِ فِي الدَّفْنِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَوْ سَمِعُوا ذَلِكَ لَهَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُوَيْصَةَ نَفْسِهِ وَعَمَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ حَتَّى أَفْضَى بِهِمْ إِلَى تَرْكِ التَّدَافُنِ وَخَلَعَ الْخَوْفُ أَفْئِدَتَهُمْ حَتَّى لَا يَكَادُوا يَقْرَبُونَ جِيفَةَ مَيِّتٍ (الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ)، أَيِ: الَّذِي أَسْمَعُهُ مِنَ الْقَبْرِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: مِثْلُ الَّذِي أَسْمَعُهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَسْمَعَ، أَيْ: أَنْ يُوصَلَ إِلَى آذَانِكُمْ أَصْوَاتُ الْمُعَذَّبِينَ فِي الْقَبْرِ، فَإِنَّكُمْ لَوْ سَمِعْتُمْ ذَلِكَ تَرَكْتُمُ التَّدَافُنَ مِنْ خَوْفِ قَلْعِ صِيَاحِ الْمَوْتَى أَفْئِدَتَكُمْ، أَوْ خَوْفِ الْفَضِيحَةِ فِي الْقَرَائِبِ لِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِثْلُ قَوْلِهِ ﵊: " «لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَفِيهِ أَنَّ الْكَشْفَ بِحَسْبِ الطَّاقَةِ، وَمَنْ كُوشِفَ بِمَا لَا يَسَعُهُ يَطِيحُ وَيَهْلِكُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ؟ وَوَجْهُ هَذَا التَّلَازُمِ أَنَّ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ يُؤَدِّي جَهَلَةَ
1 / 208