بسم الله الرحمن الرحيم
قال العبد الفقير إلى لطف الله الكريم سيدنا الشيخ الإمام العالم العلامة علم العلماء وقدوة العرفاء أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي نزيل الحرمين الشريفين اليمني المعروف باليافعي: اما بعد حمدا لله المتوحد بالإلهية والكمال والعظمة والسلطان مميت الأحياء ومحيي الأموات المعروف بالرحمة والإحسان موجد الوجود ومفيض الفضل والجود في سائر الأكوان، الأزلي الأبدي، الحي الباقي، وكل من عليها فان. وصلواته وسلامه على رسوله الحبيب الكريم المنتخب من نسل عدنان النازل في ذروة علياء المفاخر المجلي عند استباق الأصفياء النجباء يوم الرهان وعلى آله وأصحابه الغر الكرام المعز بهم دين الإسلام السامي على سائر الأديان. فهذا كتاب لخصته واختصرته، مما ذكره أهل التواريخ والسير أولو الحفظ والاتقان في التعريف بوفيات بعض المشهورين المذكورين الأعيان، وغزوات النبي ﵌، وشيء من شمائله، ومعجزاته، ومناقب أصحابه وأموره، وأمور الخلفاء والملوك، وحدوثها في أي الأزمان على وجه التقريب لمعرفة المهم من ذلك دون الاستيعاب، واستقصاء ذكر الأوصاف والأنساب لأستغني به في معرفة ما تضمنه عن الحاجة إلى استعارة التواريخ للمطالعة في بعض الأحيان، معتمدًا في الشمائل والمناقب على ما أفصح به كتاب الشمائل للترمذي وجامعه والصحيحان، وفي التواريخ على ما قطع به الذهبي، أو أوله وصحح، ومودعه أشياء من الغرائب والنوادر والظرف والملح ملتقطًا ذلك من نفائس جواهر نوادر الفضلاء، ومعظمها من تاريخ الإمام ابن خلكان وشيئًا من تاريخ ابن سمرة في قدماء علماء اليمن أولي الفقه والحكمة والبيان مختصرًا في جميع ذلك على الاختصار بين التفييط المخل، والإفياط الممل، محافظًا على لفظ المذكورين في غالب الأوقات حاذفًا للتطويل، وما يكره المتدين ذكره من الخلاعات، على حسب ما أشرت إليه في هذه الأبيات.
أيا طالبًا علم التواريخ لم تشن ... بإخلال تفييط وإملال إفياط
تلق كتابًا قد أتى متوسطًا ... وخير أمور حل منها بأوساط
تجلى بأشعار زهت ونوادر ... وما لاق من إثبات ذكر وإسقاط
1 / 7
به تجتلى الأسماع عند غرائب ... وليًا منقى من قشور وأخلاط
ومن درر الألفاظ عين معاني ... ونجباة خودات نقاوة لقاط
بذاك اعبتار واطلاع مطالع ... على علم دهر رافع الخلق حطاط
وتصريف أيام حكيم مداول ... لها مسقط في خلقه غير قساط
فكم في تواريخ الوقائع عبرة ... لمعتبر خاشي العواقب محتاط
فنى من صروف الدهرحزم مجانب ... تعاطى أمور معطيات لمتعاطي
قنوع بما فيه الخبير أقامه ... وقدره راضي القضا غير مسخاط
أجر رب من كل البلايا وفتنة ... بدنيا بها كم ذي افتنان وكم خاطي
وكم غارق في بدرها جاء شطه ... فكيف بمن للبدر قد جاوز الشاطي
وسميته مرآة الجنان وعبرة اليقطان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان، وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان، مرتبًا على سني الهجرة النبوية، والله الموفق المستعان، والحمد لله رب العالمين على كل حال.
السنة الأولى من الهجرة
هاجر ﵌ من مكة المعظمة إلى المدينة المكرمة بالتأييد والتوفيق في صحبة الصديق السابق بالتصديق، ومعهما عامر بن فهيرة ورجل آخر من أهل الحيرة بالطريق، فدخلها ﵌ ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فبنى ﵌ مسجده ومساكنه، وآخى بين المهاجرين، والأنصار، رضي الله تعالى عنهم، وأسلم عبد الله بن سلام، وتوفي نقيبان أسعد بن زرارة الأنصاري من بني النجار والبراء بن معرور السلمي.
1 / 8
السنة الثانية
فيها حولت القبلة إلى الكعبة، قال محمد بن حبيب الهاشمي: حولت في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان، وكان ﵌ في أصحابه، فجاءت صلاة الظهر في منازل بني سلمة، فصلى بهم ركعتين من الظهر في مسجد القبلتين إلى القدس، ثم أمر في الصلاة باستقبال الكعبة، وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار واستدارت الصفوف خلفه ﵌، فأتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين. وفي شعبان أيضًا فرض صوم رمضان، وفي رمضان كانت وقعة بدر يوم الجمعة في السابع عشر منه، فاستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلًا، منهم ابن عم رسول الله ﵌ أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قلت: هكذا ذكروا في التواريخ، ولم يبينوا من هم، وقد بينهم علماء السير، فقالوا: كان من قريش ستة أولهم أبو عبيدة بن الحارث ابن عم رسول الله ﵌ وعمير بن أبي وقاص الزهري، وذو الشمالين بن عبد عمرو، وعاقل بن البكير ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وصفوان ابن بيضاء، ومن الأنصار ثمانية خمسة من الأوس سعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف، وزيد بن الحارث من بني سلمة، ورافع بن المعلى من بني خثيم، وثلاثة من الخزرج من بني النجار، حارثة بن سراقة، وعوف ومعوذ ابنا عفراء، ﵃. وقتل من الكفار سبعرن، وأسر سبعون، ومن المقتولين رأس الكفرة أبوجهل المخزومي، وعتبة بن ربيعة العبشمي، فهما المقدمان في الجيش والكبيران في قريش. وفيها توفيت رقية بنت رسول الله ﵌ زوجة عثمان رضي الله تعالى عنهما، وفي شوال منها دخل النبي ﵌ بعائشة، وفيها بنى علي بفاطمة ﵄.
وفيها توفي عثمان بن مظعون ﵁ بالمدينة، وهو أول من مات من المهاجرين في زمن النبي ﵌ بالمدينة بعد رجوعه من بدر، ولما دفن
1 / 9
قال النبي ﵌: " نعم السلف هو لنا عثمان بن مظغون ". وأعلم ﵌ قبره بحجر، وكان يزوره، وكان عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة، وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية، وقال: لا أشرب شرابًا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني على أن أنكح كريمتي، فلما حرمت الخمر، وأعلم بتحريدها قال: تبًا لها، قد كان بصري منها ثاقبًا، ورأته امرأته فقالت:
ياعين جودي بدمع غير ممنوع ... على رزية عثمان بن مظعون
على أمرء بان في رضوان خالقه ... طوبى له من فقيد الشخص مدفون
مع أبيات أخرى، ومن فضائله أنه لما مات قبله النبى ﵌، وأعلم على قبره، ودفن بجنبه ولده ابراهيم رضي الله تعالى عنه، وأنه لما سمع لبيدًا ينشد شعرًا:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قال: صدقت، فلما قال:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال: كذبت نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: يا معشر قريش أكذب في مجلسكم، فلطم بعض الحاضرين عثمان بن مظعون على وجهه حتى اخضرت إحدى عينيه، وذلك في أول الإسلام، فقال له عتبة بن ربيعة: لو بقيت في منزلي ما أصابك هذا، وقد كان في نزله، ثم رده عليه، وقال له عثمان: ان عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله، وفيها ولد عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما.
السنة الثالثة
في رمضان منها ولد الحسن رضوان الله عليه قلت: ولم أرهم ذكروا تاريخ ولادة أخيه الحسين رضي الله تعالى عنه، والذي يقتضيه ما ذكروا من تاريخ مدة عمرهما وزمان وفاتهما أن تكون ولادة الحسين في السنة الخامسة، والله تعالى أعلم، ثم وقفت على كلام للأمام القطبي المالكي يذكر فيه أنه ولد في شهر شعبان في
السنة الرابعة، فعلى هذا ولد الحسين، قبل تمام السنة من ولادة الحسن ومثل هذا غريب في العادة. نادر الوقوع. ويؤيد هذا ما وقفت عليه، بعد ذلك من نقل الواحدي أن فاطمة رضي الله تعالى عنها، علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة، والله أعلم. وفي الثالثة أيضا دخل النبي ﵌ بحفصة رضي الله تعالى عنها.
1 / 10
وفي رمضان أيضًا دخل بزينب بنت جحش، وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين، وعاشت عنده نحوًا من ثلاثة أشهر. ثم توفيت. وفيها تزوج عثمان ﵁ بأم كلثوم بنت النبي ﵌. وفيها تحريم الخمر، ووقعة أحد يوم السبت السابع من شوال، وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه، فاستشهد فيها عم النبي ﵌، الأسد المتغلب أبو يعلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، ومناقبه مشهورة، وسيرته مشكورة. وشجاعته معروفة. ونجابته موصوفة، وقد ورد أنه لما بلغه أن أبا جهل آذى النبي ﵌ بمكة قصده حمزة، فشجه بقوس كانت في يده. جاء بها من الصيد ومشاهده معروفة منها يوم بدر، ويوم أحد قتل فيها جماعة وبلي فيها بلاء حسنًا، وكان ممن قتل يوم بدرعتبة بن ربيعة، وقيل: بل أخوه شيبة مبارزة، وما ندبه ﵌ إلى البراز يوم بدر للعدى إلا لما علم فيه من النجدة، ومكافحة الأقران أولى الاعتداء، وكان يقال له: أسد الله، وأسد رسوله أسلم في السنة الثالثة، وقيل في السنة السادسة من مبعثه، ﵌ ولم يسلم من إخوته سوى العباس، وكانوا تسعة، وقيل عشرة، وقيل اثنا عشر، وهم حمزة، والعباس، وأبو طالب، واسمه عبد مناف، والحارث، وهو أكبرهم سنًا، والزبير، وعبد الكعبة، والمقوم، والمغيرة، وضرار، وأبو لهب، واسمه عبد العزى، والغيداق، وعبد الله والد رسول الله ﷺ. ولما وقف ﷺ عليه مقتولًا ممثلًا به يوم أحد حلف ليقتلن به سبعين من قريش، فأنزل الله ﷿ " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله ﷺ: " بل نصبر "، وكفرعن يمينه، ورثاه كعب ابن مالك، وقيل عبد الله بن رواحة، فقال:
بكت عيني، وحق لنا بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد ألا له غداة قالوا ... لحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعًا ... هناك وقد أصيب به الرسول
1 / 11
أبا يعلى بك الأركان هدت ... فأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان ... يخالطها نعيم ل ايزول
وفيها قتل الذي لبس في الله إهاب كبش، بعدما كان من الذين يلبسون ويتنعمون، فقال فيه رسول الله ﷺ: " دعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون " مصعب بن عمير العبدري قتل مع تتمة سبعين رجلًا من المسلمين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وفي الحديث هاجرنا، فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى لسبيله، ولم يأكل من أجره شيئًا منهم مصعب بن غمير قتل يوم أحد، وليس له إلا نمرة إن غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطينا بها رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله ﵌ " غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الأذخر "، ومنا من أينعت له ثمرة فهويهديها، وكان أبواه يحبانه، ويغذيانه بأطعم الطعام والشراب، ويلبس أحسن ملابس الثياب، وكان رسول الله ﵌ يقول: " ما رأيت رجلًا أحسن ملة، ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير "، وكان إسلامه في دار الأرقم ولما قدم من بعض الأسفار بدأ بالنبي ﵌ قبل أمه فغضبت، فقالت قدم على رسول الله ﵌ أحدًا أو كانت في يده راية رسول الله ﵌ يوم بدر، ويوم أحد فلما قتل أخذها ليث بني غالب علي بن أبي طالب. وغزوة بدر الصغرى في هلال في القعدة، وفيها غزوة بني النضير عند بعضهما، وذكر بعض المحققين أنها في الرابعة.
السنة الرابعة
فيها غزوة بن معونة في صفر، قال أنس: كانوا سبعين، فقتلوا يومئذ، وقال غيره: وكانوا أربعين، وكان يقال لهم: القراء، فاستشهدوا كلهم، ونزل فيهم قرآن. وغزوة بني النضير في الربيع الأولى، فنزلوا صلحًا، وارتحلوا إلى خيبر. وغزوة ذات الرقاع في أول المحرم. وغزوة الخندق عند بعضهم، وكان مدة إقامة
1 / 12
الأحزاب فيها خمسة عشر يومًا، ثم هزمهم الله تعالى، وكذلك نزول التيمم، وزواج أم سلمة.
السنة الخامسة
ذكر بعضهم فيها صلاة الخوف، وغزوة دومة الجندل، وغزوات ذات الرقاع عند نعضهم خلإذا لما تقدم، وغزوة الخندق عند بعضهم في شوال، ثم غزوة بني قريظة، وممن ذكر هذا الذهبي، قلت: والعجب من الشيخ محيي الدين النواوي ﵀ كيف صحح كون غزوة الخندق في الرابعة، وغزوة بني قريظة في الخامسة ذكر ذلك في الروضة مع أنها وقعت عقبها وظاهرهذا النقل التناقض. اللهم إلا أن يكون غزوة الخندق في آخرالرابعة عنده، وغزوة بني قريظة في أول الخامسة. اعني دامت إلى أول الخامسة، فيصح ذلك لكني أراه بعيدًا لوجهين: أحدهما ما تقدم من كون غزوة الخندق في شوال، وهذا النقل وإن احتمل خلفه، فالوجه الثاني لايحتمل خلافه، وهو ما قد علم من نصوص الأحاديث أن النبي ﵌ توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه الأحزاب من غزوة الخندق بعدما أخبره جبرائيل ﵇ بأن الله تعالى يأمره بالتوجه إلى بني قريظة، والغزوة إذا أطلقت حملت على ابتدائها دون دوامها، وغزوة الخندق هي غزوة الأحزاب، ولم يكن فيها سوى الرمي بالنبل، والمصابنة أكثر من عشرين يومًا، وقيل: خمسة عشر يومًا، وخرج فيها للمبارزة عمرو بن عبد ود، فبارزه علي رضي الله تعالى عنه فقتله. وفي السنة المذكورة توفي سعد بن معاذ سيد الأوس الذي اهتز عرش الرحمن بموته، وقال ﵌ فيه: " قوموا إلى سيدكم ". وقال: " لقد حكم بحكم الله " الحديث لما حكم في بني قريظة بما هو معروف، وقال: " لمناديل سعد في الجنة خير من هذا " مشيرًا إلى الحرير الذي أعجبهم كل هذه من بعض مناقبه، مات ﵁ شهيدًا من سهم أصابه في غزوة الخندق، وعاش بعده حتى حكم في بني قريظة، وعدل في حكمه الذي وافق فيه حكم الله ﷿.
1 / 13
وقال ابن عبد البر: روي عن النبي ﵌ أنه قال: " لقد نزل من الملاتكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفًا ما وطأوا الأرض قبل ذلك ". قال ابن عبد البر: وبلغني عن بعض السلف أن جبرائيل ﵇ نزل من السماء معتمًا بعمامة من استبرق، وقال: يا نبي الله من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتزله العرش؟ فخرج رسول الله ﵌ سريعًا يجر ثوبه فوجد سعدًا وقد قبض، وفي ذلك يقول رجل من الأنصار شعرًا.
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... علمنا به إل السعد أبي عمرو
السنة السادسة
فيها بيعة الرضوان في ذي القعدة، وموت سعد بن خولة بمكة، وذكر بعضهم فيها غزوة بني المصطلق، وفرض الحج فيها، وقيل سنة خمس، وكسفت الشمس ونزل حكم الظهار.
السنة السابعة
فيها غزوة خيبر، وفتحها في صفر، وأكرم فيها بالشهادة بضعة عشر. وتزوج ﵌ صفرة، وميمونة، وأم حبيبة، وجاءته مارية القبطية هدية، وبغلته دلدل، وقدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة ﵃، وأسلم أبو هريرة ﵁. وفيها عمرة القضاء في ذي القعدة التي قضاها المسلمون عن عمرة الحديبية.
السنة الثامنة
فيها غزوة مؤتة في جمادى الأولى، فاستشهد الأمراء الثلاثة الأجلة السادة زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله ﵌، ومن فضائله تقديم النبي ﵌ في الإمارة. على الأمراء، وقوله ﵌: " وإن كان خليقأ للأمرة " أي حقيقًا بها، وكان قد أسرته العرب، وهو صبي، فجلب إلى المدينة. فسمع به قرابته، فقدم منهم جماعة لأجله وفيهم أبوه وعمه، فوجدوه قد ملكه النبي صلى الله عليه
1 / 14
وآله وسلم، وأعتقه، فكلموه ﵌ فيه، فجعل ﵌ الخيرة إلى زيد أن اختار قومه أرسله معهم وإن اختار النبي ﵌ أقام معه، فرغبه أهله إلى أن يختارهم، فأبى، واختار النبي ﵌ للسعادة السابقة، وكان ﵌ يحبه، وفيه نزل " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " الأحزاب قيل أنعم الله تعالى عليه بالإيمان، وأنعمت عليه بالعتق والإحسان. وزوجة رسول الله ﵌ زينب بنت جحش، فأقامت عنده. إلى أن فارقها لما فهم أن لرسول الله ﵌ فيها رغبة موثرًا بها رسول الله ﵌ على نفسه، فزوجها الله تعالى عند ذلك رسول الله ﵌، كما أخبر سبحانه بقوله " فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكما " عوضها الله تعالى أشرف الخلق وأكرمهم ﵌، لما انقادت وأطاعت في زواج زيد بعد أن كانت قد كرهته هي وأخوها لكونه مولى، فلما أنزل الله ﷿ في ذلك: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " الآية إذعنًا وأطاعا واستسلما لحكم الله تعالى فأعقبها ذلك السعادة الكبرى في الدنيا والآخرة. وقال ابن عبد البر: كان قد سبي في الجاهلية، وهو غلام، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله ﵌ تبناه ﵌ بمكة قبل النبوة، فهو ابن ثمان سنين، فقال أبوه حارثة حين فقده. أشعارًا:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي يرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإن كنت سائلًا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... ويعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه وما وجل
سأعمل نضر العيش في الأرض جاهدًا ... ولا أسأم التطواف أوتشأم الأبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرء فان وإن غره الأمل
فحج بعد ذلك ناس من كلب فرأوا زيدًا، فعرفهم، وعرفوه، فقال لهم أبلغوا أهلي الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فأنشد أشعارًا:
أحن إلى قومي وإن كنت نائيًا ... فإني قعيد البيت عند المشاعر
1 / 15
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعلموا في الأرض نض الأباعر
فإني بحمد الله في خيرأسرة ... كرام معد كابن بعد كابن
فانطلق الكلبيون وأعلموا أباه فخرج أبوه وعمه لفدائه، وقدما مكة واليًا النبي صلى اله عليه وآله وسلم، وقالا له: يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله. وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه، قال: " من هو؟ " قالوا: زيد بن حارثة، فقال ﵌: " فهلا غير ذلك " قالوا: وما هو؟ قال: " ادعوه فأخبره فإن اختاركم، فهو لكم وإن اختارني، فو الله ما أنا بالذي اختارعلى من اختارني أحدًا " قالوا: قد زدتنا على النصف، وأحسنت، فدعاه النبي ﵌، وخيره، فقال: ما أنا بالذي اختار عليك أحدًا أنت مني مكان الأب والعم، فقالوا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وأهل بيتك؟ قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا، فلما رأى النبي ﵌ ذلك، أدخله الحجر، وقال: " يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني، يرثني وأرثه " فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فادعي يومئذ زيد بن محمد. وذكر معمر في جامعه عن الزهري، قال: ما علمنا أحدًا أسلم قبل زيد بن حارثة قال عبد الرزاق، وما أعلم أحدًا ذكر هذا غير الزهري، وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول من أسلم خديجة، وشهد زيد بدرًا، وزوجه ﵌ مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة، وكان يقال له: حب رسول الله ﵌، وكذا يقال: لزيد، ثم زوجه ﵌ زينب على ما تقدم والله أعلم. ثم استشهد بعده جعفربن أبي طالب، وهو ابن إحدى وأربعين سنة. ومن فضائله ارسال النبي ﵌ له أميرًا، وحصول الهجرتين له ولأصحابه، وصدقه بين يدي النجاشي في أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه عبد الله ورسوله مع اتخاذ النصارى له إلهًا وقتلهم من يصفه بكونه عبدًا، واسهامه ﵌ ولأصحابه يوم خيبر، ولم يكونوا شهدوا الوقعة، وشدة شفقته على المساكين وبره لهم كما ورد في الحديث. قلت: هذا ما لخصته من أقوال العلماء، وكان يشبه النبي ﵌ في
1 / 16
خلقه وخلقه، وكان أكبر من علي بعشر سنوات، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين أيضًا، " ولما قتل عوضه الله بقطع يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء " رواه الزبير بن بكار في تاريخه عن رسول الله ﵌، ورواه ابن أبي شيبة. ثم استشهد بعدهما عبد الله بن رواحة الخزرجي ومن فضائله أنه أحد النقباء ليلة العقبة وإن النبي ﵌ جعله أميرًا بعد جعفر ومنها قوة إيمانه ومن ذلك قوله شعرًا.
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إذ لاقينا
إن الأعادي قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
وقوله:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أتانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ثم أخذ الراية خالد بن الوليد المخزومي لما أصيب الأمراء الثلاثة المذكورون من غير إمرة فاستظهر على المشركين، وتحيز بالمسلمين. وهي أول مشاهده في الإسلام قلت وفي قول النبي ﷺ: " ثم أخذها سيف من سيوف الله " مدح عظيم، وفخر وتنويه إلى آخر الدهر. وفي السنة المذكورة فتح مكة في رمضان، وغزوة حنين في شوال، ثم حصار الطائف ونصب المنجنيق عليها، ثم رحل المسلمون عنها وأسلم أهلها في العام القابل، وفيها غزوات ذات السلاسل وغلاء السعر فقالوا سعر لنا يا رسول الله فاعلمهم أن الله تعالى هو المسعر، وهو القابض والباسط. وفيها ولد ابراهيم ابن رسول الله ﷺ، وتوفيت ابنته زينب، وهي أكبر أولاده ﷺ.
1 / 17
السنة التاسعة
فيها وقعت غزوة تبوك في رجب وحج أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالناس، وصلى النبي ﷺ على النجاشي صلاة الغائب، ووصفه ﷺ بالصلاح، وموته ﵀ في رجب، وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله ﷺ، وابن أبي ابن سلول، ي ذي القعمة وقتل عروة بن مسعود الثقفي، قتله قومه إذ دعاهم إلى الإسلام، وكان من دهاة العرب الأربعة المعدودين الآتي ذكرهم بعد إن شاء الله تعالى، وهو أحد الرجلين اللذين قال المشركون: لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. هو من الطائف، والوليد بن المغيرة من مكة وتوفي سهل ابن بيضاء الفهري، ﷺ في المسجد. وقتل ملك الفرس، وملكوا عليهم بوارن بنت كسرى، إليها الإشارة بقوله ﷺ: " لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
السنة العاشرة
فيها حجة الوداع، ووفاة ابراهيم ابن رسول الله ﵌ وهو ابن سنة ونصف، فحزن عليه ﵌، وقال: " العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون " قلت: وفي الحديث الصحيح. وقد تقدم إن الشمس كسفت في السنة السادسة. وفيه بعض إشكال، فإنه لم ينقل أن الشمس كسفت. في عهد رسول الله ﵌ غير مرة، فإن كسفت مرتين فلا إشكال، وإلا فأحد النصين لا يصح، بل كسفت في العاشرة، أو مات ابن رسول الله ﵌ في السادسة، والله أعلم. وقد ذكر بعض أصحابنا الشافعية: أن الشمس كسفت في غير اليوم الثامن والعشرين،
1 / 18
محتجًا بكسوفها يوم مات ابراهيم، ردًا على أهل علم الفلك، زاعمًا أن موت ابراهيم في غير اليوم المذكور، فهذا يحتاج إلى نقل صحيح، فإن العادة المستقرة كسوفها في اليوم المذكور، والله أعلم.
ولما ولد ابراهيم رضوان الله عليه، بشر به أبو رافع النبي ﵌، فوهب له عبدًا، وقال ﵌: " ولد لي ولد فسميته باسم أبي ابراهيم ﵌ " وذكر ابن بكار أن الأنصار تنازعوا في من يرضعه، فدفعه ﵌ إلى أبي سيف، فلما توفي قال ﵌: " إن له مرضعة في الجنة ". وفيها إسلام جرير ونزول قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " - المائدة: ٣ - وظهور الأسود العنسي بالنون بعد العين المهملة الدجال المدعي للنبوة، وكان له شيطان. يخبره ببعض الأشياء الغائبة عن الناس، فضل به خلق كثير واستولى على اليمن، إلى أن قتل في العام القابل في صفر وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر، وكثرت الوفود في السنة العاشرة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. وبعضهم ذكر الوفود في التاسعة، وكانت غزوات النبي ﵌ خمسًا وعشرين، وقيل سبعًا وعشرين، وسراياه ستًا وخمسين، وقيل غير ذلك والله أعلم.
السنة الحادية عشر
توفي فيها المصطفى ﵌ في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول. قلت وفيما قيل: إنه توفي في الثاني عشر منه أشكال، لأنه ﷺ كانت وقفته بالجمعة في السنة العاشرة إجماعًا، فإذا كان ذلك لا يتصور وقوع يوم الاثنين في ثاني عشر ربيع الأول من السنة التي بعدها، وذلك مطرد في كل سنة، تكون الوقفة قبله بالجمعة على كل تقدير، من تمام الشهور ونقصانها، وتمام بعضها ونقصان بعض. ولم يعتمر ﵌ بعد الهجرة سوى أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، ما خلا التي مع حجته، فإن أفعالها وقعت في ذي الحجة. وسميت حجة الوداع لأن
1 / 19
النبي ﵌ ودع الناس فيها، ولم يحج النبي ﵌ بعد الهجرة سواها. وأما قبل الهجرة فلم يضبط عدد حجاته ﵌، غير أنه أقام بعد النبوة بمكة ثلاث عشرة سنة على القول الراجح المشهور، وقيل عشرًا، وقيل خمس عشرة، وأقام بالمدينة عشرًا بالاجماع، كان مبعثه ﵌ على رأس أربعين سنة من مولده. وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس ﵄ قال: أنزل القرآن على النبي ﷺ وهو ابن أربعين سنة وعن عائشة مثل ذلك. وتوفي ﷺ وهو ابن ثلاث وستين سنة وفي إقامته بمكة والمدينة يقول أبو ليث صرمة بن قيس الأنصاري.
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... وذكر لو يلقى صديقًا موليا
ويعرض في أهل المواسم فنه ... ولم يرمن يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقر به السوى ... وأصبح مسرورًا بطيبة راضيا
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم ... بعيد، ولا يخشى من الناس باغيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا ... وأنفسنا، عند الوغى ولا ناسيا
نادى الذي عادى من الناس كلهم ... جميعًا وإن كان الحبيب الموليا
ونعلم أن الله لا شيء غيره ... وأن كتاب الله أصبح هاديا
وكان مولده ﵌ عام الفيل بمكة، في شعب بني هاشم، في الدار التي كانت تدعى بعد ذلك لمحمد بن يوسف أخي الحجاج. وتوفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين في أحد الأقوال، وشهد رسول الله ﵌ بناء الكعبة وتراضت قريش بحكمه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على أحد الأقوال فيما نقل ابن عبد البر. قلت هذا مشكل، فإنهم نقلوا في السيرة أنه كان وهو صبي صغير، وفي ذلك قضية مشهورة وقعت له حين نزع بردته ووضعها على كتفه يتقي بها الحجارة فحصل له في ذلك عشرين سنة على القول المشهور.
1 / 20
وفرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة لعشر سنين وثلاثة أشهر، قيل ليلة سبع وعشرين من رجب، وقيل بل في الربيع الأول، وقيل في الثاني، وقيل في رمضان، وأما الصوم ففرض بعد الهجرة بسنتين، واختلفوا في الزكاة هل فرضت قبل الصوم أم بعده؟!. قلت ومناقبه ﷺ ومحاسنه قد ملأت الوجود شهرة، ولو اجتمع الخلق على أن يحصوها. كان وصفهم من بحرها قطرة، ولم يتعرض الذهبي لشيء من شمائله ﷺ، ولا رأيت أحدًا من أهل التواريخ تعرض لذلك، مع تعرضهم لأوصاف الناس الذين يؤرخون موتهم، فكان ذكر وصفه ﷺ أولى وأحرى وأبهج وأبهى: وها أنا أذكر شيئًا مما رويناه بسندنا من ذلك مما أخرجه الحافظ أبو عيسى الترمذي ﵀ غير ملتزم لترتيبه وأذكر شيئًا من أوصافه ﷺ ومحاسن خلقه وخلقه وأقدم على ذلك ذكر نسبه ﷺ. أما نسبه عليه أفضل الصلوات والسلام، المتفق عليه بين العلماء الأعلام، فهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ذا هو نسبه المتفق عليه إلى عدنان. أما ما فوقه ففيه خلاف لا يهتدى إلى معرفة حقيقته بإيضاح وبيان. وأما صفته ﵌ فقد روينا في كتاب شمائله ﵌، تصنيف الشيخ الإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، حمه الله، بسندنا المتصل عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان النبي ﵌ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قلت وقد تقدم أن القول الراجح أنه ﵌ أقام بعد النبوة بمكة
1 / 21
ثلاث عشرة سنة، والصحيح عند جمهور العلماء أن عمره ﵌ ثلاث وستون سنة. وبسندنا المتصل في الكتاب المذكور أيضا إلى البراء بن عازب ﵁ أنه قال: كان رسول الله ﵌ رجلًا مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه، وفي الرواية الأخرى عنه ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله ﵌، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، لم يكن بالقصير ولا بالطويل. وروينا فيه أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا وصف رسول الله ﵌، قال: لم يكن بالطويل الممعط، لا بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدًا رجلًا، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، في وجهه تدوير أبيض مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاس والكتداجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع، كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت معًا. بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأحسنهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، ﵌. قال أبو عيسى: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين، يقول: سمعت الأصمعي يقول في تفسير صفة النبي ﵌: الممعط الذاهب طولًا، والمتردد الداخل بعضه في بعض قصرًا وأما القطط فشديد الجعودة، والرجل الذي في شعره حجولة، أي تثن قليلًا يعني الرجل بكسر الجيم وأما المطهم فالبادن الكثير اللحم، والمكلثم المدور الوجه والمشرب
الذي في بياضه حمرة. والأدعج الشديد سواد العين، والأهدب الطويل الأشفار، والكتد المجتمع الكتفين، وهو الكاهل، والمسربة الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة والشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، والتقلع إن يمشي بقوة والصبب الحدور، قول: انحدرنا في صبب وصبوب، قوله: جليل المشاس يريد رؤوس المناكب، والعشرة الصحبة، والعشير الصاحب، والبديهة المفاجأة، يقال: بدهته بأمر: أي فجأته. وروينا فيه أيضا عن الحسن بن علي ﵄ قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصإذا لحلية النبي ﷺ، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله ﵌ فخمًا مفخمًا يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين، ازج الحواجب، سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأجله اشم، كث اللحية سهل الخدين، ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة، كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة، والسرة، بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك لشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف أو قال شائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا أزال زال قلعًا يخطو تكفيًا، ويمشي هونًا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، إذا التفت التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقي بالسلام. وروينا فيه أيضًا عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ﵌ ضليع الفم، أشكل العين منهوش العقب قال شعبة: قلت لسماك يعني أحد رواة هذا الحديث: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين: قلت منهوش العقب؟ قال: قليل لحم العقب. وفي رواية أخرى عنه قال رأيت رسول الله ﵌ في ليلة أضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر. قلت: يعني في حسن لونه وريق بهجته، وأما باقي محاسن صورته. فليس القمر مشاركة في شيء منها. وروينا فيه أيضًاعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﵌ قال: " عرض على الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم فإذا هو أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود ورأيت ابراهيم فإذ هو أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم يعني نفسه ورأيت جبرائيل، إذا هو أقرب من رأيت به شبهًا دحية " صلوات الله وسلامه على نبينا، وعليهم أجمعين. وروينا فيه أيضًا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله ﵌ أفلج الثنيتين، إذا كلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ﵌. في بياضه حمرة. والأدعج الشديد سواد العين، والأهدب الطويل الأشفار، والكتد المجتمع الكتفين، وهو الكاهل، والمسربة الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة والشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، والتقلع إن يمشي بقوة والصبب الحدور، قول: انحدرنا في صبب وصبوب، قوله: جليل المشاس يريد رؤوس المناكب، والعشرة الصحبة، والعشير الصاحب، والبديهة المفاجأة، يقال: بدهته بأمر: أي فجأته. وروينا فيه أيضا عن الحسن بن علي ﵄ قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصإذا لحلية النبي ﷺ، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله ﵌ فخمًا مفخمًا يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة رجل الشعر، إن
1 / 22
انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين، ازج الحواجب، سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأجله اشم، كث اللحية سهل الخدين، ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة، كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة، والسرة، بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك لشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف أو قال شائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا أزال زال قلعًا يخطو تكفيًا، ويمشي هونًا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، إذا التفت التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقي بالسلام. وروينا فيه أيضًا عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ﵌ ضليع الفم، أشكل العين منهوش العقب قال شعبة: قلت لسماك يعني أحد رواة هذا الحديث: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين: قلت منهوش العقب؟ قال: قليل لحم العقب. وفي رواية أخرى عنه قال رأيت رسول الله ﵌ في ليلة أضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر. قلت: يعني في حسن لونه وريق بهجته، وأما باقي محاسن صورته. فليس القمر مشاركة في شيء منها. وروينا فيه أيضًاعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﵌ قال: " عرض على الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم فإذا هو أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود ورأيت ابراهيم فإذ هو أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم يعني نفسه ورأيت جبرائيل، إذا هو أقرب من رأيت به شبهًا دحية " صلوات الله وسلامه على نبينا، وعليهم أجمعين. وروينا فيه أيضًا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله ﵌ أفلج الثنيتين، إذا كلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ﵌.
1 / 23
تواضعه ﵌
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﵌: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ". وعن أنس بن ماللك رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ﵌ يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه أكاف من ليف. وعنه قال: كان رسول الله ﵌ يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السخنة فرجيب. وعنه أيضًا قال: حج رسول الله ﵌، على رجل رث وعليه قطيفة خلق، لا يساوي أربعة دراهم، فقال اللهم اجعله حجًا مبرورًا لا رياء فيه ولا سمعة. وعنه أيضًا قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ﵌، وكانوا إذا رأوه ولم يقوموا له، لما يعلمون من كراهيته لذلك. وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: سألت أبي عن دخول النبي، ﵌، فقال: اذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءًا لله وجزءًا لأهله وجزءًا لنفسه ثم جزأ جزءًا بينه وبين الناس، فيودي ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم شيئًا للعامة، وكان من سيرته في جزء الأمة، إيثار أهل الفضل باذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم عما أصلحهم، الأمة من مسألتهم عنه. قلت: هذا في الشمائل من مسألتهم عنه وفي كتاب الشفاء، من مسألته عنهم، وأخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وابلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغها، إنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع ابلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادًا، ولا يفترقون إلاعن
1 / 24
ذواق، ويخرجون أدلة يعني على الخير ". قلت: وقوله عن ذواق؟ قيل: ذواق العلم والفوائد، لأنه ﵌ ما كان عنده شيء من الدنيا يسع به الخلايق، قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال كان رسول الله ﵌ يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليه، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا بخلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل، مخافة أن يغفلوا، أو يميلوا لكل امرىء عنده عتاد، يعني أهبة لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس، خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومواراة. قال فسألته عن مجلسه فقال: كان رسول الله ﷺ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، فإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك. يعطي كلا ًنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه. ومن سأله عن حاجته لم يرده ألا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم. يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير ويوثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ﵌: " لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إليه لأجبت ". وعن عمرة قالت: قيل لعائشة رضي الله تعالى عنها: ماذا كان يعمل رسول الله ﵌ في بيته؟ فقالت: كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه. وروى الترمذي أن النبي ﵌: كان يعلف البعير، ويقم البيت ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويعلف الشاة، ويأكل مع الخادم ويطحن معه إذا أعيى، وكان لا يمنعه الحياء أن يحمل بضاعته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ويسلم مبتديًا، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف الثمر، وكان هين المؤنة لين الخلق كريم
1 / 25
الطبيعة جميل المعاشرة طلق الوجه بسامًا من غير ضحك، محزونًا من غير عبوس، متواضعًا من غير مذلة، جوادًا من غير سرف، رقيق القلب رحيمًا بكل مسلم، لم يتجشأ قط من شبع، ولم يمد يده إلى الطمع، ﵌ وعلى أصحابه وبارك وشرف كرم.
ذكر شيءمن حيائه
مما ورد في حيائه ﵌ روينا في كتاب الحافظ أبي عيسى المذكور عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ﵌. أشد حياء من العنراء في خدرها، وكان إذا كره الشيء عرفناه في وجهه. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما نظرت إلى فرج رسول الله ﵌. وقالت ما رأيت فرج رسول الله ﵌.
ذكر شيءمن خلقه
يسير مما ورد من محاسن خلقه ﵌
اعلم إنه ما يهتدي أحد من خلق الله ﷿، إلى معرفة ما حوى خلقه الحسن من المحاسن الكريمة، وجميل الأخلاق الكاملة العظيمة وقد أجمل الله تعالى من وصفه في محكم تنزيله ما لا تتسع الدفاتر لتفصيله. فقال في الذكر الحكيم: " وإنك لعلى خلق عظيم " فأعظم بما وصفه العظيم بكونه عظيمًا. فإنه لا يهتدي الخلق إلى إدراك كنه ذلك العظيم، تفصيلًا لمجموع محاسنه، وتعميمًا. ولكني أذكر شيئًا مما ورد في ذلك من الأخبار بحسب التبرك والتذكار. روينا في الكتاب المذكور عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: خدمت رسول الله ﵌ عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لما تركته. وكان ﵌ من أحسن الناس خلقًا، ولا مسست خزًا قط، ولا حريرًا ولا شيئًا ألين من كف رسول الله ﵌، ولا شممت مسكًا قط ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله ﵌، كان رسول الله ﵌ لا يكاد يواجه أحدًا بشيء يكرهه، وكان عنده رجل به أثر صفرة، فلما قام قال ﵌ للقوم: " لو قلتم له يدع هذه الصفرة ". وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لم يكن رسول الله ﵌ فاحشًا، ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، لكن يعفو ويصفح.
1 / 26