فضحك في براءة فسألته: من أين؟
فأجاب دون مبالاة: تعمل في بنسيون ميرامار.
رددت إليه مبلغا كنت اقترضته في زنقة من مطالب الأسرة ثم مضيت أتمشى حول الفسقية في انتظار المهندس علي بكير. فلاحة حلوة، حلوة بكل معنى الكلمة، وها هي تسلب لبي. انتشيت بالانفعال وشعاع الشمس وبالوجوه الكثيرة الواقعة في حبائل الانتظار حولي.
وتذكرت موسم جني القطن في قريتنا. •••
جاء علي بكير حوالي العاشرة صباحا، فذهبنا إلى مسكني بشارع الليدو بالأزاريطة. كانت صفية قد ارتدت ملابسها فذهبنا إلى سينما مترو. غادرنا السينما في الواحدة بعد الظهر فسبقاني إلى الشقة وذهبت إلى هاي لايف لابتياع زجاجة نبيذ قبرصي.
رأيت الفلاحة واقفة تستبضع. كملاطفة الأحلام وابتسام الحظ. شيء نبهها إلى وقفتي فيما وراءها، فالتفتت مستطلعة فرأت وجهي المبتهج. أرجعت رأسها ولكنني لمحت في مرآة تتوسط أسرابا من قوارير الخمر ابتسامة انفرجت عنها شفتاها الورديتان. رأيت - فيما يرى الحالم اليقظان - نفسي مقيما في البنسيون، أستمتع فيه بالدفء والحب. لقد تسللت إلى نفسي، أنعشت قلبي كما حدث له مرة في كلية التجارة. وهذه الابتسامة صريحة كشمس النهار المشرق. فلاحة .. بعيدة عن منبتها .. غريبة في بنسيون .. غريبة كالكلب الضال الأمين في سعيه وراء صاحب.
وقلت لها ونحن نغادر المحل: لولا ضوء النهار لأوصلتك. - فقطبت ساخرة وهي تقول دون غضب حقيقي: دمك خفيف!
فحلمت أحلاما سعيدة بعبير الريف والحب البكر. •••
وجدت علي بكير متربعا فوق شلته بحجرة الشلت، وصفية تعد الطعام في المطبخ. ارتميت إلى جانبه ثم وضعت الزجاجة أمامي وأنا أقول: نار .. هذا هو آخر تعريف علمي للأسعار.
شد على ذراعي ثم سألني: مرت أزمة العام الدراسي الجديد؟ - مرت ولكن بغير سلام.
Bilinmeyen sayfa