(في العلم وصنوفه وضروبه، والحث عليه) بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.
العلم من طريق اللغة: هو المعرفة والفهم، ومن المجاز: هو علم ما أثره الأولون، وحفظه عنهم الآخرون، ويقال: فلان عالم في فن كذا، إذا كان عارفا وحافظا له ، وهو العلم المكتوب بالتعليم، والنقل والدرس.
وأما العلم الحقيقي: فالذي هو غير مكتسب، ولا يتغير ولا يتبدل- هو علم الله، جل وعلا وهو عالم الغيب والشهادة، وهو علام الغيوب، وهو العليم الخبير، عالم بجميع الكائنات.
والعلم عند أهل الكلام، وما يعقله الناس: هو نقيض الجهل، وكل من وصف بعلم شيء، فقد نفي عنه الجهل به.
والعلم بنفسه: هو تمييز حقيقة الأشياء علي ما هي عليه، ووضع الأمور علي أماكنها من غير تغاير ولا تناقض.
وقيل: العلم، درك المعلوم علي ما هو به، وقيل: هو إدراك الحق.
وسمي العلم علما، لأنه علامة يهتدي بها العالم إلي ما قد جهل به الناس، وهو بمنزلة العلم المنصوب علي الطريق.
والعلم والعلامة والمعلم : اشتقاقهن من لفظ واحد.
والعالم من الخلق(1) غير العلم، وعلم الله- تعالي- لا يقال: إنه غيره: لأن علم الخلق حادث فيهم عقيب جهل، والله- تعالي- جل عن الحوادث، وهو العالم بذاته، كما لا يقال: إن له قدره هي غيره، وهو القدر بذاته- جل وعلا.
فصل:
والعلم: أصناف كثيرة ، وضروب مختلفة، وكلها شريفة، ولكل علم منها فضيلة، والإحاطة بها، وبجميعها محال.
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "العلم أكثر من أن يحصي، فخذوا من كل شيء وأحسنه"(2)
ومن ظن أن للعلم غاية فقد بخسه حقه، ووضعه في غير منزلته التي وصفه الله بها، قال تعالي: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".
قال بعض الفقهاء: لو كنا نتعلم العلم لنبلغ غايته لكنا بدأنا العلم النقيصة، ولكنا نطلبه لننقص كل يوم يوم من الجهل، ونزداد كل يوم من العلم.
Sayfa 10