قال الله تعالي: " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم " فكذر أنهم يخادعون الله؛ وإنما يخادعون رسول الله، وقوله: " من شر الوسواس الخناس " فكذر الوسواس، وأراد الموسوس، وهو إبليس (لعنة الله). ومثل ذلك قوله جل ذكره: " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " فذكر الناعق، وأراد المنعوق به، وإنما ذكر الراعي، وأراد الدواب، وبهم ضرب المثل.
والعرب إذا أرادت ذكر الشيء؛ فتجريه على اسم ما يقرب منه أو سنته وكذلك قوله تعالي: " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة "، فذكر أن المفاتيح تنوء بالعصبة، [و] هي التي تنوء بالمفاتيح؛ لأنهما تجد ثقلها.
وفيما حكي عن موسى عليه السلام أنه قال: " أفعصيت أمري "، والأمر لا يعصي وإنما يعصي الآمر، وقوله جل ثناؤه: " وجاء ربك والملك صفا صفا " أي: جاء أمره، وقالوا: " أنهم ملاقوا ربهم "، وقوله: " إلى يوم يلقونه " وإنما يلقون ما وعدهم من خير وشر، وقوله: " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم " وهو يعني: على ما وعدهم ربهم. وهو يدل على ذلك قوله " أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا "، وكذلك قول الناس: من مات فقد لقي الله، أي: يلقي جزاء عمله، وقد أجمع الناس على صحة الرواية؛ عن النبي (صلي الله عليه وسلم): "أن من حلف على يمين؛ ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله، وهو عليه غضبان"، وقد أجمع أهل الصلاة: أن الله لا يجوز أن يراه أحد من أعدائه في الآخرة.
ومما يذكر الشيء، ويراد به معناه - قوله عز وجل: " توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم " فجعل استلامهم للقتل قتلا منهم لأنفسهم.
Sayfa 177