فقرعهم بالعجز أن يأتوا بمثله، ومكنهم من الفحص، والبحث، والاختيار وأمهلهم لمدة طويلة، وأعلمهم في إتيانهم بمثل الذي أتي به؛ في حسنه، ونظمه وما يوجب إحقارهم، وإبطال قولهم؛ فبذلوا في إطفاء نوره، ودحض حجته أموالهم وأنفسهم، وآباءهم، وأبناءهم.
ولم يعارضوا بما احتج به عليهم من كتاب ربه بأرجوزة، ولا بقصيدة ولا بخطبة، ولا برسالة - فصح بهذا لو أنهم قدروا على ذلك ما تركوه إلى بذل الأموال والأنفس.
وزعم قوم من أهل الكلام: أن الحجة في القرآن، إنما هو ما فيه من الأخبار عن الغيوب، وأن الله جل ذكره منع العرب، وصرفهم عن معارضته؛ إلا أنه في نفسه معجز.
وقد طعن بعض الملحدين في القرآن فقال: نجد الإنسان [يقدر أن] يقول: الحمد الله منفردة، ورب العالمين منفردة ، وكذلك كل لفظ من القرآن؛ فإذا كان يمكنه أن يأتي بمثل هذه الألفاظ منفردات - فقد صح [له] القدرة عليها وأنه كان قادرا عليها - فما الذي يمنعه من جمعها؟ ومتي يدركه العجز عند اللفظة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة - وما البرهان؟
فعارضهم بعض المتكلفين، فقال: أخبروني عن البكاء المفحم، أليس يقدر أن يقول: قفانيك. منفردة، ومن ذكري حبيب. منفردة؟ ثم قال: كذلك [في] كل لفظة من هذه القصيدة؛ فإذا كل يمكنه أن يأتي بها منفردات، وكان قادرا على ذلك. فما الذي يمنعه من جمعها، ونظمها النظم الموزون؟ ومتي يلحقه العجز في اللفظة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة؟ فلم يجدوا في ذلك فرقا، والحمد لله.
وقد كان بعض الجهال ممن يتهم بالإيجاد فيدعي علم اللغة، والفصاحة؛ إذا قرئت بين يديه الآية، أو السورة من القرآن - يروم أن يعارض به أشعارا مؤلفة، وخطبا لبعض المتقدمين معلومة، ويقول: ما الفرق بين ذا، وذاك؟
والذي يدل على جهله أن ما فعله لو كان ممن يتعلق به لسبق إليه القوم الذين أورد عليهم الرسول (عليه السلام) هذا الكتاب؛ فهم كانوا أعلم باللغة، وأقدر على الكلام المنظوم البليغ الفصيح.
Sayfa 172