============================================================
(17 منهاج القاصدين وتفيد الصادقين الجهال من الناس؛ لأن الخاصية التي تميز بها الآدمي العلم، فإنه لم يفضل بقوته، فإن الجمل أقوى منه، ولا بشجاعته، فإن الأسد أشجع منه، ولا بكثرة أكله، فإن بطن البعير أوسغ من بطنه، ولا بكثرة سفاده(1)، فإن العصفور أقوى على السفاد منه، وإنما خصيصته التي بها فضل: العلم، وبتلك العلة أشجد الله عز وجل الملائكة لآدم، ومن أعجب فضائل العلم أنه يفرح من نسب إليه وإن لم يكن من أهله، ويحزن من سلب عنه وإن كان جاهلا.
الشواهد العقلية إذا أردت أن تغلم فضيلة الشيء، فافهم ما الفضيلة، فإنك لو أردت أن تعلم هل زيد فقيه أم لا؟ لم تقدر على ذلك حتى تعرف ما الفقه .
والفضيلة مأخوذة من الفضل، وهو الزيادة، فإذا اشترك شيئان في أمر، وزاد أحذهما في ذلك الأمر، قيل: له فضيلة، غير أن تلك الزيادة إنما تكون فيما هو كمال ذلك الشيء، كما يقال: الفرس أفضل من الحمار. بمعنى : أنه يشاركه في قوة الحمل، ويزيذ عليه في الكر والفر، وخسن الصورة، ولو زاد بعض الناس بزيادة أصبع، كانت تلك الزيادة نقصا في المعنى؛ لأنها ليست من الكمال في شيء، فإذا عرفت أن العلم فضيلة؛ لأنه زيادة يتمم المعنى، وعلى مقدار التزئد منه تزيد الفضيلة .
واعلم أن الشيء النفيس المرغوب فيه ينقسم إلى ما يطلب لغيره، كالدراهم، وإلى ما يطلب لذاته، كالسعادة في الآخرة، وإلى ما يطلب لذاته ولغيره، كسلامة البدن، فإنها تطلب لنفسها من حيث إنها سلامة من الألم، ومطلوبة لغيرها من جهة التوصل بها إلى المآرب.
فإذا نظرت إلى العلم رأيته مطلوبا لذاته، ووسيلة إلى تحصيل المنافع في الدنيا والآخرة، وذريعة إلى القرب من الله عز وجل، فلا يتوصل إليه إلا به، وإذا كان العلم سبا لذلك دل على أنه أفضل الأشياء.
(1) السفاد: نزو الذكر على الأنثى، وهو الجماع.
Sayfa 22