قالوا: والقياس المتركب من المشهورات /37/ يسمى جدليا لا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يسمع قائله، فإن صاحبه وإن غلب، فإنما هو لقوة القائل لا لقوة القول، فانظر إلى هذه القاعدة التي أبطلوا بها العدل والوعد والوعيد والشرائع، واتبعهم فيها أهل الجبر بأسرهم حتى أنك إذا أخذت تستدل للعالم منهم على أن الله تعالى عدل حكيم وأن نبيه صادق بقبح الظلم والكذب أو نحو ذلك مما يقوله أهل العدل، أجابك بأن هذا من قبيل المشهورات التي لا تفيد إلا الظن الضعيف في حق الشاهد، فأما في حق الغائب فلا يفيد شيئا أصلا، ولهذا أقسم الرازي يمين كبيرة في محصوله أنه ما يعلم بعقله وجوب شكر النعمة في حق الله تعالى.
والرد عليهم وبالله التوفيق أن يقال: إنما يكون الضروري من العلوم ضروريا بأن يكون مفعولا فينا وغير واقف على اختيارنا، ولا بد من الإقرار بهذا، وإذا كان كذلك فإنا نجد أنفسنا مضطرة إلى العلم بقبح الظلم والكذب وحسن إرشاد الضال وإنقاذ الغريق ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم، ونحو ذلك مما سموه مشهورا، ونجد هذا العلم غير واقف على أخبارنا ولا نجد فرقا بينه وبين العلم بالبداية والمشاهدات في كونه ضروريا.
وأما ما تقوله علماء المجبرة من أنا إنما نحكم بذلك لأحد الأساب الخمسة، فهو ظاهر السقوط بدليل إنا لو فرضنا العاقل متعريا عن جميع هذه الأسباب فإنه يعلم بكمال عقله قبح الظلم والكذب ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم، والمنكر لذلك مباهت.
ثم يقال لهم: ولم قلتم أنه لا يعني إلا ما كان ضروريا أو ينتج من مقدمات ضرورية، ولم يجعلوا الاستدلاليات يقينية مع حصول علامة اليقين فيها من المطابقة وسكون النفس.
ثم يقال لأهل الإسلام منهم كالرازي والغزالي والأشعري وغيرهم: إن هذا اليقين الذي ذكرتموه مفقود في أدلتكم على إثبات الصانع وصفاته، أفتعترفون بأنها ليست بيقينية أم تعترفون بأن المشهورات يقينية، ولا بد من أحدهما.
فإن قالوا: وكيف ذلك؟
Sayfa 58