الوجه الثاني من الرد عليهم: وهو التحقيق إن ثبت هنا قياس، وهو أن يبين أن القياس التعيني لا يكون تعينيا بل لا يكون قياسا، إلا إذا حصل فيه علة جامعة، وحينئذ يكون من باب قياس التمثيل الذي جعلوه ظنيا، فنقول: لسنا نعلم أن الإنسان حيوان إلا لأجل كونه حيا بحياة على شكل مخصوص بدليل أنه إذا لم يكن له حياة أو كانت، لكنه على شكل الفرس أو الطائر لم يسم إنسانا، فإذا علمنا أن الحجر لم يحصل فيه الأمر الذي لأجله كان الإنسان إنسانا علمنا أنه ليس بإنسان، وهم لا يعنون بقياس التمثيل أكثر من هذا، فقد عاد الأمر إلى ما قلناه.
وهاهنا فضيحة الفلاسفة ننبهك عليها لتعلم أن غرضهم المكر والإلحاد لا بيان الأدلة، وهي أنه أجمع محققوهم على أن المقدمات الكلية اليقينية إنما يتصيدها العقل من استقراء الجزيئيات.
قال أبو الحسين: ومثله أرسطاطاليس بان يتصور صورة زيد، ثم صورة شخص آخر حتى يرتسم في نفسه صورة الإنسان الكلية الشاملة لجميع أشخاص الناس، وإذا كان كذلك ومن صريح مذهبهم ومذهب المجبرة أن الاستقراء لا يفيد إلا الظن الضعيف فقد نقضوا قولهم وظهر أنه لا تعيني قط ليس المقدمات التي سموها يقينية قد بنوها على الاستقرار الذي لا يفيد إلا الظن اتفاقا بيننا وبينهم.
القاعدة الثانية مما ألحدوا به في الدين هو أنهم قسموا القضايا التي تجعل مقدمات للأقيسية إلى /36/ نصيات ومشهورات ومظنونات ومأخوذات ووهميات.
قالوا: فالتغيبيات هي الضرورية مثل أن الكل أكثر من الجزء، وأن الشمس منيرة، ونحو ذلك.
والمشهورات هي التي لا عمدة عليها إلا الشهرة، ولو خلى الإنسان وعقله لما قضى بها نحو الحكم بقبح الظلم والكذب والعبث وحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم.
قالوا: فهذه ليس فيها إلا ظن ضعيف.
قلوا: ولسنا نحكم بها إلا لأحد أسباب، منها: رقة القلب والرحمة فيحكم الإنسان بقبح الظلم لرقة قلبه.
Sayfa 56