لبصائر العقلاء ووجوب حقوقه في معارف العلماء، بل الأمر اللازم والفرض الواجب أن يجعل المؤمن أمانة الله أمامه، وطاعة الله منهاجه، فلا يفعل الخير إلا إعظاما لأمره، ولا يدع الشر إلا إذعانا لنهيه. ولقد استقصر كثير من العلماء من يفعل الخير رغبة في الثواب، ويدع الشر خيفة من العقاب، وشبهوه بعبد السوء الذي لا يخدم مولاه إلا طمعا في نعمته وتحرزا وتخوفا من سطوته، وبالحمار البليد الذي لا ينساق حيث يساق إلا بالضرب والإرهاق، وإن كانوا لا يختلفون في أن الرجاء والخوف قدما صدق ومنزلتا حق عند الله جل ثناؤه. وإنما ذهبوا في ذلك إلى أن الله تعالى جده وإن كان أطمع وحذر ووعد وأوعد بأنه ﵎ لو أمر ونهى ولم يضمم إلى الأمر وعدا ولا إلى النهي وعيدا، لكانت الطاعة له واجبة، والمعصية محذورة، كما قال عمر ﵁ لصهيب: "نعم المرء صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه". فثبت أن الثواب والعقاب زيادتان واقعتان بعد لزوم الفرض، العبد بعبودته، وارتهان حقوق الله تعالى جده لرقبته، فالأليق به إذا والألزم له أن يؤدي ما عليه من طاعة، وينتهي عما ليس إليه عبودة، ثم يكون رجاؤه الثواب إذا أطاع، وخوفه العقاب إن عصى للبقية بوعد الله ووعيده، لا لمعنى سواهما فيتباديا منه إيمانا ويكتبا له برا وإحسانا، لا سببا حاصلا على أداء اللوازم، والانتهاء عن المعاصي والمحارم، وإذا كان هذا فيمن وصفنا كما بيناه، فكيف بمن لا يخطر بقلبه من وعد الله ووعيده خاطر، ولا يزجره عن سوئهم به من هيبة الله زاجر، وإنما أمامه الهوى أو الضرورة أو خوف الاقران أو نهب السلطان أو حذر القيل والقال، فإذا انتهى إلى ما خلاه الله تعالى فيه وأمانته، ولم ينصب عليه قيما، ولم يقيض له به مطالبا، ولم يجعل له فيه مخاصما، ولم يخش أن يرفع فيه إلى وال أو قاض، نبذه وراء ظهره، وأعرض عنه إعراض من لا يحفل به، ونسب من يأخذ نفسه به إلى التصنع أو سخر منه كما يسخر من الهازل المتلعب، أما يستحق أن يكون مثله مثل العبد السيئ والحمار السيئ، كلا أنه أسوأ حالا منهما، لأن العبد إنما يدري طاعة مثله، والحمار جاهل بصاحبه لا علم له به وحقه. فأما من تقدم وصفه فإنما يدع طاعة ربه ويضيع حق
1 / 10