السنن والأخبار لقب الحشو، وإطلاقهم ألسنتهم فيهم بالهجر واللغو. وإنما أتى القوم من حيث ظنوا أن تعظيم علم الأحكام الذي يعرف بالفقه لا يتم إلا بالوضع من غيره والازراء بمن يتعاطاه ويشتغل به. وكانوا في ذلك كمن يضع من قدر سورة ليرفع به من قدر سورة، أو يزري بسنة ليعلي به قدر سنة. والإنصاف في ذلك أولى بالمسلمين من التشدد في الخلاف، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. ومن نظر وتبين علم: أن الفقه إن كان يستوجب الثناء ويستحق المدح والإطراء لأنه علم أصله وحي. فما وصفناه من إضراب علم الشريعة، وحي أصله، تنزيل كله، وإن كان ذلك لما يحتاج إليه فيه من الفهم والفطنة، فما علم من العلوم إلا ومنه جلي ومنه خفي، ولا وجه لإدراك الخفي إلا الاستدلال بالجلي عليه، ولا سبيل إلى الاستدلال بالجلي على الخفي إلا بعد إدراك المعاني وتبينها، وفي ذلك ما يبين أن اسم الفقه علم العلوم، الشريعة كلها، أعلاها الذي يتوصل بها إلى معرفة الله تعالى وجده ووحدانيته وقدسه وعامة صفاته ومعرفة أنبياء الله ورسله، والفرق بينهم وبين من يدعي مثل ما ادعوا، ولا يأتي من البينات بمثل ما أتوا، وما بعد ذلك من علم العبادات وأحكام الاكتساب والمعاملات، والحدود والجنايات، والفصل بين المتنازعين، وإيصال الحقوق إلى المستحقين، ومن علم الأحوال والأخلاق والآداب والسيرة الحميدة والعشرة الجميلة، والمروءة التي هي قرينة العدالة، وإبقاء معاني العبودة على تصرف الأحوال في الجملة. وعلم مع ذلك، إن التذكير مما أمر الله تعالى جده في كتابه، والله لا يأمر بالهزل ولا بما يهزأ به، ولا بما يصنع امتثاله من تمثيله ويحط استعماله من قدر مستعمله، قال الله ﷿: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾، وقال: ﴿فذكر فما أنت بنعمة ربك بكافر ولا مجنون﴾. فيسمي الله تعالى جده، نبيه- ﷺ مذكرا، وسمى تبليغه وتعليمه تذكيرا، وأمره به إرشادا وتبصيرا. فكيف يعرض لأسباب الضعة ما جعله الله تعالى من أسباب الرفعة؟ وكيف يجري في إعداد أهل النقص طائفة: قائدها نبيها وإمامها رسولها؟ أو كيف يخرج علم
1 / 13