٧- إضاءة: فإن زاد المتأخر على التقدم زيادة في المعنى مع تحسين اللفظ فقد استحق المعنى عليه كما استحق الطرماح معنى النابغة حين زاد عليه في قوله: (البسيط -ق- المتراكب)
من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصقيل الفرد
بقوله: (البسيط -ق- المتراكب)
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
فزاد الطرماح عليه أن جعله مسلولا في حال ظهوره مغمدا في حال إضمار البلاد له.
فمراتب الشعراء فيما يلمون به من المعاني إذن أربعة: اختراع واستحقاق وشركة وسرقة. فالاختراع هو الغاية في الاستحسان، والاستحقاق تال له، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فيه، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب، والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها أشد قبحا من بعض.
المباني
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافرًا لها من قوانين البلاغة.
المنهج الأول في الإبانة عن قواعد الصناعة النظمية والمآخذ التي هي مداخل إليها، وما تعتبر به أحوال الصنعة في جميع ذلك من حيث تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها.
أ- معلم دال على طرق العلم بقواعد الصناعة النظمية التي عليها تقوم مباني النظم؛ وبتصرف الخواطر فيها على ما يجب أن تلتئم صناعة النظام الشعري على الكمال.
النظم صناعة آلتها الطبع. والطبع هو استكمال للنفس في فهم أسرار الكلام، والبصيرة بالمذاهب والأغراض التي من شأن الكلام الشعري أن ينحى به نحوها؛ فإذا أحاطت بذلك علما قويت على صوغ الكلام بحسبه عملا، وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في مذاهبه وأنحائه إنما يكونان بقوى فكرية واهتداءات خاطرية تتفاوت فيها أفكار الشعراء.
فأول: تلك القوى وهي عشر: القوة على التشبيه فيما لا يجري على السجية ولا يصدر عن قريحة بما يجري على السجية ويصدر عن قريحة.
الثانية: القوة على تصور كليات الشعر والمقاصد الواقعة فيها والمعاني الواقعة في تلك المقاصد ليتوصل بهذا إلى اختيار ما يجب لها من القوافي ولبناء فصول القصائد على ما يجب نحو ما أشرنا وما نشير إليه.
الثالثة: القوة على تصور صورة للقصيدة تكون بها أحسن ما يمكن وكيف يكون إنشاؤها أفضل من جهة وضع بعض المعاني والأبيات والفصول من بغض؛ بالنظر إلى صدر القصيدة ومنعطفها من نسيب إلى مدح، وبالنظر إلى ما يجعل خاتمتها إن كانت محتاجة إلى شيء معين في ذلك.
الرابعة: القوة على تخيل المعاني بالشعور بها واجتلابها من جميع جهاتها.
الخامسة: القوة على ملاحظة الوجوه التي بها يقع التناسب بين المعاني وإيقاع تلك النسب بينها.
السادسة: القوة على التهدي إلى العبارات الحسنة الوضع والدلالة على تلك المعاني.
السابعة: القوة على التحيل في تسيير تلك العبارات متزنة وبناء مباديها على نهاياتها ونهاياتها على مباديها.
الثامنة: القوة على الالتفات من حيز إلى حيز والخروج منه إليه والتوصل به إليه.
التاسعة: القوة على تحسين وصل بعض الفصول ببعض والأبيات بعضها ببعض وإلصاق بعض الكلام ببعض على الوجوه التي لا تجد النفوس عنها نبوة.
العاشرة: القوة المائزة حسن الكلام من قبيحة بالنظر إلى نفس الكلام وبالنسبة إلى الموضع الموقع فيه الكلام. فقد يتفق للشاعر أن ينظم بيتين قافيتهما واحدة فيكون أحدهما أحسن في نفسه والآخر أحسن بالنسبة إلى المحل الذي يوقعه فيه من جهة لفظ أو معنى أو نظام أو أسلوب. ففي مثل هذا الموضع يصير المرجوح راجحا والمفضول فاضلا. وكثير ممن ليست له هذه القوة يسقط أحسن مما يثبت بالنسبة إلى المحل.
١- إضاءة: وللشعراء وذوي الدعوى في مشاركتهم أو وجود بعضها أو عدمها بالجملة ثلاث مراتب. فأهل المرتبة العليا هم الشعراء في الحقيقة. وأهل المرتبة السفلى غير شعراء في الحقيقة. وأهل المرتبة الوسطى شعراء بالنسبة إلى من دونهم، غير شعراء بالنسبة إلى من دونهم.
فأما المرتبة الأولى فتشتمل على ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: الذين حصلت لهم هذه القوى على الكمال في الجملة والكمال في بعض دون بعض.
1 / 63